رعد محمد المخلفمنتدى المشكاة الأدبي
تلخيص اللقاء الذي تم مع الدكتور والأديب الكبير: زهير سعود، كي يبقى مرجعًا هامًا لفن كتابة الـ ققج في مننتدانا، حيث استهل الدكتور بكلمة قال فيها :
أسعد الله أوقاتكم جميعاً، ولكم مني المحبّة والتقدير على دعوتكم الكريمة وهذا التقديم الذي عكس الثقة وما تملكونه من لباقة وأدب. أرجو لهذا الملتقى التألق والمنعة وحسن التطور ليصبح من منتدياتنا الفكرية الرائدة.
بالنسبة للسؤال المطروح حول فن القصّة القصيرة جداً، فلا بأس بالتذكير فيما قلته بكتابي "فن القصة من الملحمة إلى الومضة" أن هذا الفن وبالرغم من مساحته السردية الضيّقة، فقد شغل التعريف به وعلى مختلف ألسن النقاد العرب ما يمكنه أن يشغل مساحة عمل روائي، ولا شك بأن هناك خلافات قد تبدو جوهرية بين تلك المفاهيم التي عرّفت الفن، دعوني أبدأ تعريفي بهذا الفن الما بعد حداثي في الغرب والجديد في عالمنا العربي، بالقول أنه: قصّة الكثافة أو الأقصوصة الجديدة أو عكس الأقصوصة كما أطلق سارتر على الرواية الجديدة أو قصص الساروت بالمقابل.
استكمالاً للحديث بشروط الفن أود التأكيد على قيمة التحولات الكبيرة التي حدثت في مقاربة الفنون التي أطلق عليها فنون ما بعد الحداثة والتي ناسبت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وانطلاقة علم النفس والسريالية وفلسفة موت الإنسان والعدمية. فالفن ينطلق أساساً من السخرية مما هو كائن وبمختلف الصعد الإبلاغية ولا يعترف بإمكانية التغيير في المدى المنظور للوقائع اللغوية.
سؤال جاء من الأديب، علي الشاعر:
كلنا نعلم ان مايميز ال(ققج) هو الاعتماد على الخاتمة المتوهجة المحيرة، وطرافة المشهد .
هل يمكن ان نصنع خاتمة تتفق مع الاحداث وليست تخالفه بمعني خاتمة مدهشة ولكن مع تسلسل الاحداث يستطيع القارئ ان يتنبأها...؟
الجواب:
تحيتي لك وشكراً لهذا السؤال، وقد تطرقت لما درج عليه بعض كتاب هذا الفن، باصطناع الصدمة والإدهاش عبر الخروج عن سياق السرد، وهذا خطأ بالغ. فالنصّ مبني على وحدة المبنى والمعنى، وخاتمته مرتبطة به ارتباطاً صميمياً لإتمام عملية التفريغ. ولكن ربما وبالفعل مارس النصّ لعبة الخروج عن السياق للوهلة الأولى في عملية التلقي، لكن شرطه أن يعيدنا لاكتشاف وحدة النصّ.
سؤال جاء من الأديب، علي الشاعر:
نعرف أن فن القصة متعدد بين قصة قصيرة واقصوصة وقجج…
سؤالي:
من هو الذي نعتبره مؤسس هذا الفن عربياً؟
الجواب:
في الحقيقة تأسيس الفن بدأ مع دعوات المرحوم الأديب عدنان كنفاني للاهتمام بقصة الغرب المايكرو الأمريكي اللاتيني أو الفلاش الأمريكي، وكانت المحاولات الأولى محاولات أغلبها يمكن نعته بالضعف والفشل، ثم قدّم القاص السوري زكريا تامر بعض النماذج الموازية، ولكن لم يؤسس لدراسة الظاهرة وتكريسها إلا بالمؤتمرات التي عقدت بدمشق وحضرها خمسون كاتباً سورياً بعضهم من أصول فلسطينية وذلك بنهاية السبعينيات، وبالطبع فقد كان الإلمام بالفن بدائياً لحدّما، وقد تناول كتابي بالتفصيل الأسباب والحلول لامتلاك قصة عربية قصيرة جداً تنافس الغرب فيما قدّمه على هذا الصعيد.
وأضاف:
سوف أرد على جميع المسائل التي يطرحها رواد هذا الملتقى، وأعتذر التأخر فيما لو حدث بسبب وضع الكهرباء والنت، ولكن وللتعريف بالققج فهي جنس أدبي حداثي أطلقه الكاتب الأمريكي مونتريسو في ثورة القرن العشرين الأدبية، والتي حدثت أواسط القرن مع نتاجه الغزير الذي تميز بخصائص الفن الأساسية والتقنية، وهذا لا يعني غياب صيغ الفن من الكتابات القديمة ومنها في أوربا وأمريكا ما قدمه همنغواي وكافكا وعند العرب ما فعله المعرّي في نمطه السردي الساخر لرسالة الغفران أو في الهند مع بيدبا واليونان أيسوب، وكذلك جحى وأشعب وبالطبع فما ذكر سابقاً لامس الفن بالصميم لكنه لم يملك نضجه وتعقيده الإجناسي.
سؤال جاء من الأديب، عبد الله الأحمد:
هل أنسنة الأشياء وانطاقها
من نقاط قوة الققج؟
الجواب :
تحيتي لك وأنت تتحدث عن خاصيّة من خصائص الققج، والتي تعتبر من تقنيات الفعل السردي، التي تعني الخروج عن المألوف والإفادة من صيغ العمل الأدبي التراثي كالأسطرة والفانتازيا، وكل ذلك ينتج التشويق وجراءة الفن وإدهاشه، فالإجابة: نعم الأنسنة من نقاط القوّة.
ثم جاء سؤال من الأديبة، آمال عبد الله:
من أي نسل انحدرت ققج وما هي
معناها باللغة العربية وما شروطها ؟
الجواب:
بالطبع ققج أو ق. ق. ج هي القصة القصيرة جداً، مأخوذة بأوائل الحروف، واللفظ عربي أصيل. والقصة القصيرة جداً هي جنس أدبي حداثي له خصائصه المتمثلة في أركانه كالكثافة والوحدة والقصصية والجرأة والثنائية اللغوية، وله خصائص تقنية تدعى بتقنيات الكتابة: كالأسطرة، والتلغيز والترميز والأنسنة والسخرية والمفارقة. بالطبع نشأ الفن كتابة ونقداً في أمريكا اللاتينية ثم انتشر لكل البلدان.
سؤال جاء من الأديبة، خديجة حسن التاسع:
من هو أول من اطلق عليها اسم ق ق ج ؟
الجواب :
شكراً للسؤال الحقيقة هو الناقد المصري فتحي العشري حين ترجم كتاب انفعالات الساروت، وقد أخطأ بالتسمية لأنه وصف بها الرواية الجديدة وقد أوضح الأمر كتابي فن القصة، فالرواية الجديدة (انفعالات الساروت) جنس أدبي، والقصة القصيرة جداً جنس آخر، والعشري تناول الأمر من حيث القصر الحجمي لا أكثر .
سؤال جاء من الأديب، راتب كوبايا:
ما هي أوجه التشابه بين ققج والومضة وهل يوجد أي تقارب بينها وبين السنريو ؟
الجواب:
تحيتي لك وكل التقدير أستاذ راتب، الحقيقة أن الققج هي الومضة فالومضة الفلاش هو التعريف الأمريكي للفن والذي قابله المايكرو أو قصة مابعد الحداثة في أمريكا اللاتينية، وهي كلها تعريفات محليّة لفن القصّة القصيرة جداً، وبالنسبة السيناريو أو التوقع كما فهمت فلا شك بأن أي فن من الفنون السردية يمكنه أن يخالط الأمر.
سؤال من الأديب، أسامة حواتمة:
هل ترى أن طبيعة الفكرة المولدة للققج تتحكم بحجمها وبعض عناصرها البنائية؟
مثلا، يوجد فكرة تتطلب وجود صراع،
وأخرى تتطلب صعود متتالي ظاهر لذروة العقدة،.وفكرة أخرى لا تتطلب إلا عقدة مضمرة أومكثفة بكلمة ظاهرة ولها امتداد مضمر. هل طبيعة الفكرة تتحكم بطول النص أو قصره بينما التكثيف موجود في الحالتين؟
الجواب:
تحيتي لك الكاتب المبدع أسامه حواتمه، بالتأكيد تتحكم الفكرة وجريانها المكثّف بالرصيد الحجمي للكتابة، وما يهم هنا أن يسعى النصّ للصلابة بمعنى عدم المقدرة على استبدال الألفاظ بما يمكنه أن يجعل النص أكثر كثافة واقتصاداً.
سؤال من الأديب، كوستا مرزوقة:
هل وصلت قصتنا الطويلة او القصيرة الى النجومية العالمية او متى يمكن الاعتراف بانها وصلت و/او الاساليب الواجب اتباعها للوصول للعالمية؟
الجواب:
عالمية الرواية والقصة القصيرة العربية، لا يشك بها أحد بل إن أول حكايات الديكاميرون استفادت من ألف ليلة وليلة، كذلك الكوميديا الإلهية أخذت عن رسالة الغفران ورحلة إلى الجنوب لابن عربي، وفي القصة القصيرة لقصص تيمور وزكريا تامر وأدريس وغيرهم كثر كجبران وكنفاني فقد بلغت ما نريد، ولكن في فن القصة القصيرة جداً فما زلنا نخطو خطواتنا الأولى.
سؤال من الأديبة، آمال عبد الله:
كثيرا ما نُسال عن عنوان الققج أيهما أفضل أن يكون مفردا او اكثر ؟
الجواب:
شكراً للسؤال، ومعه دخلنا بتفصيلات ديداكتيك القصة، فالعنوان مهم جداً في النصّ وله صفات وخصائص تقوّي النصّ وتناغم طبيعته، وانطلاقاً من حرص الصيغة الكتابية على الاقتصاد اللفظي والإيحاء التأويلي فمن الأفضل اللفظ المفرد للاقتصاد والتنكير لقوّة الدلالة.
سؤال من الأديبة، شهر زاد :
ما رأيكم أستاذي الفاضل في نص من ست كلمات، أليس جانبا آخر يختصر عالم ق ج ج في المستقبل وممكن يتجاوزها حتى.. ؟
الجواب:
تحيتي لك وكل التقدير الأستاذة شهرزاد. هناك من صنّف القصة القصيرة جداً بثلاثة أنماط سردية، وقد تناولها كتابي فن القصة بالتفصيل والردّ، وفي الحقيقة فهي جميعها تدخل في أساليب الكتابة للفن ذاته، فقد تكون القصة القصيرة جداً مؤلفة من أربع كلمات كما فعل فيليبي أو ست كلمات كما كتبها همنغواي أو سبعة كلمات كما فعل مونتريسو، والقضية ليست بعدد الكلمات بل باكتمال شروط النصّ الأدبي في هذا الفنّ. لقد طرح الزبيدي والشلبي والعشري وكنفاني وبعض النقاد الجدد، مفاهيماً أراها خاطئة في تصنيف الفن لأجناس مختلفة وهو جنس واحد، كالقول بقصة الكلمات الست، والومضة، والقصة القصيرة جداً. وفي الحقيقة فجميع تلك الأساليب إنما تقوم على أسس راسخة وتقنيات متشاركة في تحقيق أحد شروط الجنس وهو الثبات والتحوّل، فتلك النماذج هي تنوعات أسلوبية للفن وليست فنون مختلفة.
سؤال من الأديب الدكتور، عبد الباسط تتان :
هل هناك قاعدة ثابتة لكتابة الققج بعد أن تعددت القواعد من كاتب لآخر والفارق الكبير بمنح الدرجات بين محكم وآخر وكل واحد حسب قناعته وبذلك نستنتج بأنه لايوجد قاعدة توحّد جميع كتّاب الققج بقاعدة واحدة ذات أسس واضحة.. ؟
الجواب:
تحيتي لك أستاذ عبد الباسط، ومعك حق فيما تقول حول تنوع المذاهب العربية لمقاربة هذا الفن الوافد، فهناك من جعل الحكائية أحد أركان الفن بينما جعلنا القصصية هي البديل لذلك، والفارق كبير بين اللفظتين، فالحكائية شغوفة بالحكي والقصصية تبتغي تحقيق شروط القصة من حدث وشخصية وبيئة بالتكثيف والابتعاد عن الحكي السردي قدر المستطاع، وبالطبع فأنا أتحدث عن الذين ظهرت لهم آثار نقدية في وطننا العربي، وليس عن الكثيرين ممن ولجوا فضاء الكتابة والتقييم بأحاسيس دون مرجعية. لقد استدعيت جميع النقاد البارزين في هذا الميدان مثل حطيني ومسلك وصبيح وغيرهم إلى مجموعتنا الأدبية: الهراديبية، وثمة حوار ثري ومفيد في هذا الميدان. صدرت خلاصته بالمعرفة السورية في بحثي: "إشكالية القصّة القصيرة جداً العربية". إن تقعيد الفن على إجناسيته العربية يمرّ بمرحلة توليدية صعبة، ونكاد نبلغ ذروتها. فما يهم هو الاجتهاد في مقاربة الفن ليكمل صبغة عربية مشتركة تحمل خاصية التنوع والتشابه كصفة بارزة للأجناس. وقد ذكرت في كتابي فن القصّة تعدد النماذج السردية للكتابة في الفن، كما نراه في صياغة تشيخوف وكافكا وهمنغواي ومنتريسو، وذكرت الأسباب المتعلقة بطبيعة الوعاء اللغوي المختلف بين الأقوام، عبر دراسة الفارق بين اللغة الأسبانية المحايثة للعربية واللغات الأوربية. فمعيار الكتابة هو الكثافة والثنائية وتلك أمور يرتبط نجاحها بمنهجية اللغة الكتابية والطبيعة الديداكتيكية للفن.
سؤال آخر جاء من الأديب الدكتور، عبد الباسط تتان:
لوسمحت بالنسبة لعنوان الـ ققج هل يجب ان يكون كلمة أم أكثر فهناك البعض يقول لنا من شروطها بأن العنوان من كلمة واحدة ونكرة، ونرى بعد ذلك بأن النص الفائز يكون عنوانه كلمتين أين التكثيف اذا والعنوان فقد هذا الشرط؟
الجواب:
شكراً للسؤال، ومعه دخلنا بتفصيلات ديداكتيك القصة، فالعنوان مهم جداً في النصّ وله صفات وخصائص تقوّي النصّ وتناغم طبيعته، وانطلاقاً من حرص الصيغة الكتابية على الاقتصاد اللفظي والإيحاء التأويلي فمن الأفضل اللفظ المفرد للاقتصاد والتنكير لقوّة الدلالة.
وفي تقييم النص لا نقف على العنوان وحده بل هناك علاقة مهمة بين النص والعنوان، إذ ربما حقق التناغم والانسجام اعتماد أكثر من لفظ، وفي الحديث عن اللفظ المفرد والتنكير فذلك يقف على التفضيل وقوة العنوان، أما تقييم النص فيدخل فيه عدد من العوامل البنائية كوحدة النص وتنوعه الدلالي وكثافته وتقنياته وسلامة لغته وغير ذلك.
في نهاية الحوار قامت الأستاذة آمال عبد الله بشكر الدكتور زهير سعود قائلة:
نشكر حضورك وسعة صدرك، رغم ضعف النت كانت سهرة وافرة بالمعلومات القيمة.
دمت منارة للادب
تحياتنا القلبية
أجاب الدكتور زهير سعود:
محبتي للجميع وأرجو أن يثمر الحوار عن الفائدة المرجوّة. كل الشكر والتقدير للملتقى وإدارته.