-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

ابراهيم جاد الله .. يكتب : باقية لحظات الفراق بحضورك عبد الخالق المختار

 ابراهيم جاد الله .. يكتب :

باقية لحظات الفراق بحضورك
إليك أيها الباشا الذى لم يمهلنى كثيرا
صديقى عبد الخالق المختار




لوكان التأمل القلق رجلاً جميلاً لكان هو عبد الخالق المختار ، لـم يكن صديقي بالمعنى الذى تلوكه احتيالات النفاق الإجتماعى، لكنّه كان شريكي ــ وشريكنا جميعاً ــ في التساؤل الـمستمر الـمقتول: إلى متى هذا الـموت الثقافي؟؟
فى النصف الأول من الثمانينات عرفته فى مقهى الصالحية ببغداد ،وقيل أن يذهب للحرب مع إيران، وقبل منتهاها تأكدت علاقتى به قليلا ، وقدعا د بجزء من رجله غائبا عنها وكنا رفاقا في صحبة وجع، وروعة أن نكون وحدنا في عصر الـمال والـمنصب والنفاق والفساد وشراء الـمواقع، وجمال الاغتراب عن قيم القطيع، والخوف من هواجس الأصولية الـمتربّصة، والغضب من بيرقراطية ولصوصية الـمؤسسة، لم أدرك سرا كان يختفى فى جوانحى منذ البداية لم كنت أخاف عليه دائماً من أن يسبقنا ويرحل
حين كان يهل علينا ب( الصالحية ) التى كنت ارتادها من أجله فجأةً أمامنا، يطيح بهدوئه وشعر رأسه الناعم و وجهه الممتلىء حيوية وإصرارا بنا وبالكراسي وفناجين القهوة وكلامنا الكثير وضحكاتنا اليابسة الكاذبة الأطراف، ودخاننا الهابط لا الصاعد الذي لا يدل على نار، كان قلبه مليئاً حتى الـموت، باسم الاستفهام (لـماذا)؟؟ حتى ظننت أنه الكلـمة نفسها، ليش ؟ ليش ياعالم؟ كان دائماً يسأل والطيبة دامية فى عينيه ، الرجل (اللـماذا) الغاضب الحيوى الذي يبتسم فجأةً تلك الابتسامة الواسعة الريانة الـمعتذرة، أو المقهقه بعافية بغدادية نضرة ، أين هو الآن؟ أين خبّأ انفجاراته الكامنة؟ أين فجّرها؟ أتتسع لشظاياها تلك الحفرة الصغيرة التي احتج عابثا له فى مرات على ضيقها وانخفاض سقفها لحفّارها؟فكان يقول لى عنها مبتسما دائما: إن لها عمقاً وفضاءً لا تراهما؟؟
. أفتقد الآن ياصديقى دخولك الهادىء العاصف إلى (الصالحية ) التى كانت،ولا أعتقد بعودة سيرتها الأولى كبقية مقاهى الحبيبة بغداد ،وإلى روحى التى تاقت لك طويلا ، وكنت أمنى النفس أن أهزم توقى وحنينى إلى ابنى وابنتى بمصر وألقاك، ملقياً على وجهك السلام الطري الخفيف وأرش على عنقك مناديل حريركنت أعدها لك.
لم تكن هناك مسافة بين دخول عبد الخالق إلى روحى وبين مشهد يستغرق فيه باللعب الجميل فى وديان أحزاننا العربية الفنية المشتركة ، كأنه لـم يغادر الروح ، أولا يغادرها أبداً، في عينيه الصاحيتين جداً والعارفتين بشكل مخيف عن مفاتيح الشخصية العراقية .
كنت أرى حزن الفنان الأبدي واحتراقه الصامت وحيرته، أمام قدر أن يظل مطروداً من الـموقع الثقافي الذي يستحقه بعد أن كان يهيىء نفسه للإنضمام لهيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة ببغداد، وقد كان بها جديرــ والذي يتيح له أن يمارس إبداعه ومغامراته وروحه ــ ومحكوماً عليه بالوحشة ومضفوراً بالحنين إلى زمن الأحلام، فحتى الأحلام لـم نعد قادرين على اعتناقها.
كانت أوراق الباشا المختار وكتبه جزيرته الأثيرة، هارباً يذرف فوقها انتصاراته الصغيرة وملله وحزنه الـمعطر بالكبرياء وغضبه واحتقان روحه الـمعذبة.
حين كان يخسر في تأملاته كان يثور ، وكنت أعرف أن ثورته ربما تكون لأسباب أخرى، لا علاقة للتأمل بها أبداً، كان صمته مجاز إحباطاته واستعارة انتصارات الـمؤسسة التي خنقته وكادت تخنقنا جميعاً، ولطخت أعناقنا في وحل التجاهل أو الحصار
كان مطلعاً على تجارب الإبداع المسرحى العالمى والعربى إلى حد مذهل،وكانت ثقافته تربكني وتحرجني حين كنت أكتب انطباعاتي الشخصية ذات الإيقاع الشعري عن عرض له أو رؤية إخراجية يبتكرها لنص، كنت أخجل أمامه كثيرا
لـم يكن يناقشني فيما أكتب لكنه كان يقول لي بعينيه الذكيتين: أنت تكتب أوجاعك وأوجاع ناسنا، هذا جيد،تكتب بدمك ، وهذا أروع ، ولكن أنت منذور للمسرح وأنت أكبر خائن له لأنك خاصمته فجأة بلا مبرر ، الـمسرح شيء آخر، الـمسرح هو الناس والسياسة والتاريخ والاقتصاد والفلسفة والأديان ... الـمسرح مرآة كبيرة تعكس ارتجاجات العصر الفكرية وتُصوّر مستوى تفكير الناس ومنسوب ازدهارهم الحضاري، الـمسرح ليس فقط نصاً أدبياً وتخيّلات ومتعة لغوية وبلاغة وأحاسيس شخصية، وانطباعات، الـمسرح ليس فقط كيف انعكس في روحك بل كيف انعكس في روح الـمكان والناس والكتابة والوطن والعالـم؟ كيف سيغيّر ويحفر ويهز؟ من حقك أن تكتب عن عالم أنت تهتز لانهياراته، لكن من واجبك، أيضاً، وأنت المؤهل لذلك أن تتأمل أفق وباطن الـمشهد الـمسرحي العراقى الذى يمور معك وتتعمّق في اضطراباته وأسراره، لـم يقل لي عبد الخالق ذلك أبدا، ، لكني كنت أعرف أنه على وشك أن يقولها لى دائما لأنه شاهد فوران طموحى لإنجاز ما فى عالم المسرح، فكنت أهرب منه بعيني بعيداً، وأشغل نفسي بحرب صغيرة مع امجد سيد الحروب الغرائبية الجالس قربنا بمقهى الصالحية فى بغداد ينتظر خبزه اليومي.
لـماذا الآن أراهم ؟
بوضوح غريب أراهم
أصدقائي الـموتى الجميلين: يحيى الطاهر ودكتور عبد المحسن ووجيه عبد الهادى وأطوار بهجت وفتحى عامر وعبد الله سعد وعبد الحبيب سالم مقبل باليمن، ونادية التى رحلت قبل وقوع الإحتمال بارتكاب الحياة الأسرية المشتركة وماجد أبو شرار وسنوات عدن. أراهم هناك منتشرين كمرايا الغبار، في تلال الـمطر، يجمعون حطب الشتاء الـمبلل، يحاولون إشعال الشعر حيناً ، وبالرقص والغناء حيناً،وبالذكريات حيناً آخر. ولا نار لا نار لا نار.
عبد الخالق ياصديقى
أدع لنا بسلامة الوصول إليك قريبا ، حيث دفء نار قلبك، وحيث سكينة عاشت فيها روحك بيننا ، فما أشد اشتياقى لقربك من جديد

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية