مذاق الذكرى
ق ق ابتسام الامارة
أصبحت نفسي تتوق لشيء من الماضي كنا نقوم به نحن أصحاب الجيوب فارغة.
شلة من شباب القرية الفتي، نفتتح به يومنا
فلا تسمع غير الصياح، والضحك، والمنافسة، تفرق الجمع و تشتت القلوب.
حلم أعاد هذه الصورة من جديد حرك مشاعري و أسال لعابي.
فقمتُ أرفع الغطاء مثل المتسلل الذي يخاف أن يراه أحد، مشيتُ بخطىً حذرة و كأنّ حقلاً من الألغام
زرع تحت أقدامي أخاف أن تنفجر واحدة على حين غفلة.
وصلتُ إلى الباب الذي كان صريره كصوت ضابطا متعجرفا يصيح ليوقظ الجميع...
فتحت زوجتي عيناً و ألأخرى مغمضة من النعاس قالت:
إلى أين أنت ذاهب في هذا الصباح الباكر؟
قلت لها:
-عودي للنوم سأخرج لأتمشى قليلا، وضعتُ سترتي على أكتافي، رحتُ احث الخطى كأن أحدهم يناديني في هذا الجو البارد، أرى أنفاسي كأنها دخان سجاير، أطرافي بدأت بالتجمد
وصلت...أسرعت قرب المدفأة عرضت أناملي المتصلبة إلى وجهها الذي وضع عليه إبريق الشاي
فبدأت أنفاسه تحرقها.
تطلعت إلى الجدران و الزوايا انها تتكلم، لوحة القهوة القديمة مازالت معلقة.
نفس المكان تغيير بسيط بالألوان ووجوه بعض الأجيال تغيرت لكن الدماء هي... هي.
سلمت بصوتي الهادئ الخجل، ردوا السلام فهم بعض الصبية والجد يجلس في الزاوية يتمتم مع عبد الباسط في التلفاز القديم، أحدهم ينثر الماء على الرصيف.
كأني بالأمس فارقتهم، و بلهفة ورغبة لا تقاوم قلت للبائع:صحن "شوربة العدس مع صمونة من فم التنور"
قال "حاضر" أتى بها والبخار يداعب أرنبة أنفي، قطعت بعضها غمستها بالحساء، حملتها بكفٍ أرعشتها السنين، قضمتها أي سحر، اي مذاق، اي ذكريات، صور تبعثرت في مخيلتي!!
أنا وأبي، الجامعة، الخدمة العسكرية، هناك من عادوا اطيافا اكفهم تلامس كتفي لترحب بي.