بلوغ
بقلم . ابتسام الامارة
هو مجرد فانوس لم يكن سحريا ولم
يكن من ذهب، لكنه بالنسبة لي كان مميزا ...
قصته الخالدة في ذاكرتي تبدأ منذ كنت طفلة، فقد كانت جدتي تتعب في تنظيفه لتجعل زجاجته تتلألأ !
فترتعش فتيلته الناعسة في الامسيات الباردة لتسحرنا، مثلما تسحرنا حكاياتها. تلك العجوزالتي لفّتْ ضفائرها الطويلة بوشاحها الأسود تفرّ منه خصلاتها البيضاء.
لازلت ارسم هذه اللوحة ذات الأبعاد العاطفية في مشاعري حتى بعد رحيلها.
ثم ماذا...
ورثت أمي هذا الفانوس السحري بطل قصصنا الليلية، حيث لا كهرباء ولا تكنولوجيا مقيتة.
اما أنا فكان نصيبي من جينات جدتي هو حبي للقصص و الروايات لذا أعتليت عرشها.
فكان فانوسها المقدس مصدر الوحي لكثير من قصصي الطفولية، والجمهور المستمتع هم أخوتي الصغار، أقصّ لهم قصة سندريلا و الأمير كان القليل منها من القصة الحقيقية والكثير الباقي من خارج النص.
اما تفاصيل اعبر عنها بأناملي من خلال مسرح الخيال والظل على الحائط القديم.
اراهم منبهرين وهم يرون الأشكال التي
تبدع بها اناملي، كم مرة نام اخي الصغير قبل أن اكمل قصتي فيستيقظ باكيا لأني اكملتها من دونه.
استمرت حكاياتي بالتدفق ليالي طويلة...
حتى جاء التغيير في ليلة وضحاها
ونحن في غفلة من أمرنا.
ها هو موعدنا مثل كل ليلة يمر دون حضور اخي الصغير لقد تغيب هذه المرة بإرادته انتظرناه ولم يأتِ.
بدأ الخوف يقشعر ابداننا، قرار أبي لا رجعة فيه، يجب أن يغلق الباب في العاشرة ليلا، ممنوع البقاء الأولاد خارج المنزل!
وأخي تأخر خارج البيت، أمي تهمس في أذن أبي :
- قد اصبح رجلا
لكن أبي اصر على كلمته:
-إنه مراهق قد لا يعرف مصلحته، أنت تعرفين انه يدخن ولم تخبريني.
- لا...لا لم أعرف صدقني.
كانت ليلة عصيبة جدا جدا علينا.
جاء أخي.. وقد كان لقائه بأبي مشحونا بالتوتر، نام ليلتها باكي العين، ليتنا بقينا أولئك الصغار، لكن هذه الليلة كانت أول ليلة في مرحلة البلوغ.

