إضاءة نقدية - ٤٦ - نظرية التلقي
لقد استمدت نظرية التلقي Reception theory أصولها الأولية من الفلسفة الظاهراتية ، وأصبح المنظور الذاتي ضمن أنساقها، هو المنطلق في التحديد الموضوعي، ولا سبيل إلى الإدراك والتصوّر الموضوعي خارج نطاق الذات المدركة ، ولا وجود للظاهرة خارج الذات المدركة لها.
وقد تطورت نظرية التلقي على يد منظرين مثل (هانز روبرت جوس) و(لفنجانج أيزر) وكلاهما أستاذ بجامعة كونستانس في ألمانيا.
إن خطاً متوازياً يمكن ملاحظته بوضوح بين نظرية المنفعة والبهجة ونظرية التلقي حيث طور بعض منظري وسائل الإعلام الجماهيرية مفهوم المنفعة والبهجة ، الذي لا يركز على تأثير وسائل الإعلام على الأفراد بل أيضاً على طريقة الاستخدام لهذه الوسائل وعلى المتعة التي يحصلون عليها من هذه الوسائل الإعلامية.
لقد سعت نظرية التلقي في مجمل أهدافها إلى إشراك واسع وفعلي للمتلقي بغية تطوير ذائقته الجمالية من خلال التواصل الحثيث مع النصوص.
إن حضور (المتلقي) أصبح واقعيا وفاعلا، فأنتقل من دور المستهلك للنصّ إلى مرتبة الراصد والشريك المحاور الذي يُلزم النصّ على إسقاط الحشو والتركيبات اللغوية والبلاغية التي طالما انحازت اليها النصوص الكلاسيكية لغواية المتلقي وإيقاعه في حالة الاستجابة المُثلى لمفاهيمها الاستدراجية.
وبذات الصدد يقول (نورمان هولاند فيرى) إن قراءة القارئ للنصّ إنما هي قراءة لهويته هو، إن القارئ يضم خيوط هويته فينسجها خلال استجابته للعناصر التي يتكون منها النصّ ، فالنصّ إذن يعيش تحت سلطة القارئ ووعيه أكثر مما ينعم بالحياة والراحة لدى كاتبه.