-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة في نص " جزء من القلق " للشاعرة السورية سمرا عنجريني

بين القلق الروحي والفكري المعاني والرؤيا
قراءة في نص " جزء من القلق " للشاعرة السورية سمرا عنجريني 

كتب : أ . أياد النصيري  

%25D8%25B3%25D9%2585%25D8%25B1%25D8%25A7%2B-%2B%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF%2B111





لكل قصيدة زمنها الذي يساهم في خلقها وتشكيلها، لكن الشعر الجيد يجب أن يتناسب مع كل الأزمنة تماما كالكلام المقدس. الخلاص ليس وظيفة أحد. ولا توجد وصفة سحرية لتحقيق الخلاص. الشعر لم يكن يوما طريقا للخلاص، لذلك علينا أن نكتب كثيراً لنفهم فقط. الشعر محاولتنا للفهم، للكشف عن هذا الوجود الهائل، للابتكار؛ الابتكار في اللغة وفي الحس وفي التعبير عما يجب قوله
(سمرا أحمد عنجريني) شاعرةواعدة متألقة ومتأنقة دخلت فضاءات الشعر بقوة لترسخ أقدامها فيه دلفت عالم الشعر بأعمال جدية لتفرض لذاتها وجودا وكيانا وجمهورا واعتبارا
(سمرا) تتملكها القصيدة حد التوحد عقلاو قالبا وروحا في تماهي يعمل تحت تأثير القلق-
وهي محظوظة بتقديراتها الشخصية ثقة وطموحاورغبة في امتلاك ناصية الحرف وطرق كل تجربة تقربها من عالمها الإبداعي
وهي محظوظة ايضا بقراءها ومتابعوا نتاجاتها الإبداعية وهي في تقديرنا محظوظة في طموحها الواعي في امتلاك ناصية الحرف الشعري واستكناه أسراره والتحليق به في عوالم مشرعة الأبواب ، تطوف به مساحات هذا الكون رؤية واختزالا لترسو على سوح القلب ابداعا وعلى فضاءات الروح رطبا جنيا
لكل منا معراجه الخاص و تطوافه الحر في عالم الذات و عالم الموجودات، لكل منا لحظة تساؤل عن جوهر الوجود عن ما وراء المتعين والمحسوس وغايات تلك الحياة منا من يحيا دون أن يلتف إليه أحد رغم أن الحياة في منحى ما متكئة على وجوده نحيا كهواء غير مرئي كظلال تمر عابرة ، قسوة الحياة لا تعطينا الفرصة لنشم أنفاسنا من هنا لابد أن ندخل بهدوء الى فضاء الشاعرة عبر نصها الجديد (جزء من القلق) كيف نستشف المعاني والرؤيا بعدسة سينمائية غالبا وفيه معراج لذات الشاعرة التي تتشبث برغبة عارمة في عزل ذاتها عن العالم جسدا وروحا لتصل عبر تأمل عميق إلى إشراق روحي هل هذا ممكن؟ هل غربتها في _(استنبول) المجرة المصغرة المتخمة بكل أشكال وألوان الامتزاج ستهيئ لها ذلك المعراج الذاتي/ الكوني أم أن حنين الشاعرة إلى الوطن والحب والحبيب والمدينة والبيت سيتعطل لعدم تجهز الذات لهذه الرحلة
بحثت الشاعرة (سمرا عنجريني)بدأب عن الحب والحرية وعن اليقين والحكمة والإنثي والوطن وتساءلت كثيرا عن جوهر تلك المعاني وحقيقتها ، وأعادت في كثير من قلقها الروحي اكتشافها وتفسيرها فيما ألقت المآسي التي تعرض لها وطنها سوريا بظلالها على تجربتها في الغربة لكنها نجت بموهبة كبيرة من التعاطي مع ما يحدث لبلادها بشكل صريح وإنما نجحت بأصالة أن يخضع حزنها ومرارتها لقواعد التنظيم الجمالي في قصيدتها مراعيةحقوق الشعر أولا فكان مرورها على الألم مرورا شفيفا مدركا تقول مثلا
بعض الأشياء تحتلُّني شوقي المضنِّي لكانون))
جنونُ المطر يثير شهيتي
لموتٍ رائعٍ في كنفِ الكهنة)
أن بلاغة التلميح أكثر متعة للنفس وأطول بقاءا من بلاغة التصريح ذات إيقاع نفسي خاص جدا سربته الشاعرة إلى سطور النص عبر نفق الصدق الذي تمربه عند ذاك القلق الذي يلازمها وهو جزء من القلق الاكبر الذي لم تبوح به في هذا النص ، فيما جمعت تجربتها القلقةبين العام والخاص ومزجت بينهما بذكاء شعري كبير فأنت كقارىء لا تستطيع أن تحدد الخط الفاصل بين الجزء والعام

تحت سماء الشام ودوالي العنَّاب ..
أحزان الطيور المهاجرة الى النفي..
بإشارة من عصا الحكام
والشاعرة سمرا أرتقت في علاقتها مع طيورها الى علاقة خاصة تجاوزت العلاقة الخارجية الى قراءة الطير داخليا واستبطان احاسيسها، وهمومها، وأفكارها، وهل للطيور أفكار؟ إذا عرفنا أن الشاعرة جعلت الطيور معادلا موضوعيا للإنسان في رحلة معاناته الأبدية واغترابه يكون عندئذ الجواب بلا ريبة: نعم! كما أن الشاعرة اختارت طيورها بعناية ووصفت حالة الطيور المهاجرة ومزجتها مع حالتها
إن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نُعاود تذكُّر بيت الطفولة وهي تتذكر وطنها والشام ومدينتها حلب تفتحُ ذاكرةَ المُتلقّي على عوالمَ شتّى قد تلاشت وذوت واختزلت فيعيد عملية البناء الخطابي بمقدار عمق انفتح الذَّاكرة واتّساعِها، ثم تعود بنا الشاعرة إلي محيطها الذاتي الذي ترفض أن يشاركَها آخرٌ فيه حينما تصدِّر الذات في إعلانها عن تلاشيها مع تلاشِي المكان فيتشكل هذا الاستفهام عن المكان وإن كان قد حمل معه دلالاتِ الغربة والتَّلاشي
وأول قرار تأخذه الكاتبة - كردِّ فعل على ذلك - الهرب إلى الطبيعة . وتكاد تُجمع أغلب حالاتهاعلـى ذلك . ففي ثنايا نصها شوق جارفٌ إلى الطبيعة والفضاء المنفتح، وحنين لايكاد ينتهي . ولذلك فقد كانت الكاتبـة تستخدم الطبيعة فضاءً جميلاً مفتوحاً في مواجهة قبحِ الواقع المغلق
ومن الميزات التي تُحمد للكاتبة أنها تعرف جيداً ماتريد ، ولذلك جاء رفضُها للواقع - في الرؤية - مشروعاً ومبرراً على الأقل من وجهة الموقف الفني المعبَّر عنه في واقع النص . ولا يقل الأمر عن ذلك - في إطار الرؤيا - فهي أيضاً واضحة ، والبدائل المطروحة فيها تُشكّل مجتمعةً مع الطبيعة بديلاً موضوعياً للرؤية أو خطاً موازياً لإصلاحها . وقد ارتكزت الرؤيا على عدّة أسس سعت الكاتبة أن ترسم من خلالها مشروعَها لبديلٍ معرفي يحكُم العلاقات الإنسانية والفرد مقابل التشوه في الواقع
عيناكَ الرماديتان
وجهكَ وحقول الطفولة
رائحتُكَ التي تطويني
كأنها بنّْ قهوتي المعتاد
وكما وظفت الشاعرة نصية الأمكنة الفرعية لخلق القيمةِ المكانية للمتخيل المكانيّ ففي نصها هذا نجد تلك القيمة تتّسع عبْر لغةٍ شعرية خاصة تتعدى حقل الدّلالات الأولية لبناء لغوي من حيثُ الألفاظ والتراكيب وعلاقاتها بالسِّياق وتردداته وإنما نجد اللغة التي تتفاعل بل تتوغَّل إلى الباطن، في محاولةٍ خلاَّقة لبناء شكلٍ مُتفرِّد لهذا المكان
إنَّ حالةً من الوجدِ والحلولِ لا تحتاج في رأيي إلا إلى لغةٍ كهذه لغةٍ تعتمد على وصف العلاقاتِ الشكلية إيقاعا وتوترا وإنسجاما
ما أفعل من أجلك
أيا رجلاً
شقَّقَ ملح الزمن شفتيه
اكتفى بصمت ..!!!
سافرَ على متن غيمة
لايعرفُ الأمس من الغد
من شتاتٍ لشتات ..
أرهقني بقصص الصبيان
الألوان عند (سمرا) في نصها أخذت دلالة الرمز إلى الإبداع الشعري
الأسود والأبـيض، فهمـا بدايـة لونـان
متضادان، مرتبطان بالليل والنهار، والظلمة والنور، لذلك هما لونـان متـداولان
الأصفر وهو حالة من حالات الحياة وله انعكاسات نفسية متباينة
بين اليبوسة والجفاف والشحوب إلى حالة الحصاد وجني الثمار
صلَبَتْهُ أوراق الكتابة
فكتبني بحبرٍ أسود
يشوبه رسمٌ أبيض
كأنه قلب الحياة ..!!
أريدُ أن أختبئ داخل قميصك الأصفر
مفتوحاً كما جرح
أكونُ جزءاً من شيء ما
قلقك..
هذيانك

كذلك مع تنسيق الالوان ودلالاتها نجد الشاعرة هنا تطرح الأسباب التي تسبب الأحزان والغربة حولها وهنا يتخذ الحزن أشكال الوجع الروحي في نفسها لأن لم يعد هناك انفراج لكل هذه الأحزان وكأنها أصبحت الحالة المقدسة والملازمة لحياتنا والذي يميز نص الشاعرة هي تلك الحرارة والصدق باكتشاف ما يؤثر على جوهر وجودها الإنساني وهي متوسدة الآهات والأنين ويتطور إلى حد تقوم بثقب القلب وهذا ما يجعلها تنزف وجعها الداخلي ، أي أن هذه الأحزان سببت الألم الداخلي بقدر ما سببت المخفي من الدمع وهذا أشارة دلالية بالتصاقها داخل أحساسات ذاتها من الداخل . والشاعرة تريد أن تبني رؤاها حسب المؤثرات و الأفعال المنعكسة في تصورها الذهني من داخل مشاعرها التي تعيش وهذا ما يحرك أحساسها الشعوري المركب من توهج الذات بمعناها، والتي تفجرها المرئيات التحسسية والتوترات التي تتكون على شكل دفق صوري من خلال المسميات الحضورية ورموزها الدلالية
رغيف خبزك تقسمه نصفين..
أرحل معك إلى آخر أنوثتي
أقبِّل رأسَ السنديان ..
أحببتك قبل أن ألتقيك.
جزء من قلق هو مني
وإليه أنا أكون
كما زهر الليمون ينحني
لعزف العود يرسل قبلة و...يعود
شاعرتنا المتوجهة وعيا( سمرا عنجريني) تمزج بين الأصالة والمعاصرة فهي حداثية الرمز والدلالة تعشق التصوف بنزوعه الفلسفية والرمزية كما هي متمرسة وتكتب في حقل الخواطر الأدبية بكل اشكالها المعرفية يحتوي بنات ابداعها قصيدا تواقا نحو المزجية بينهما _ أصالة ومعاصرة _ في آن
تقرأ لنزار والحلاج والماغوط كما تقرأ لشواعر عربيات أسمهان بدير ومايا خوري وماجدة ابوشاهين وسميرة الزغدودي وسحر العلاء وشواعر لايسع المجال لذكرهن
يتوهج النص بين يديها و تتوهج هي بين حروفه وكلماته وبين سطوره والشطور وتسكنه كواحة أثيرة كلما خالج جنبيها القلق

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية