-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة الناقدة رجاء البقالي / المغرب / في نص : مسافة أمان للقاصة عبير عزاوي / سوريا

 قراءة الاستاذة الناقدة الاديبة رجاء البقالي

Rajae Bekkali
في نص مسافة أمان
النص مرآة لصراع الوعي و اللاوعي بالنسبة لأنثى ، امرأة " عانس" تقترب من الأربعين، كانت بحاجة إلى هزة نفسية صادمة في رحلة الحياة، ستكون محطتها لحظة اصطدام سيارتها بالمصباح الخلفي للسيارة التي تتقدمها ، في مسيرة سيارات عرس..
لحظة صدام ستُوقِف الزمن، ستعطل السرب المنطلق احتفالا بالعروسين، و كأنها يقظة الوعي مابعد دوار الارتجاج، في رحلة الحياة، تكتشف فيها البطلة تجاعيد تصفعها من على المرآة المنتصبة أمامها تنذرها بالنهاية..
النص جسد بجمال، و على لسان الساردة الزمن النفسي المتوتر لشخصية البطله المضطربة، التي تفصح عن قلق نفسي هائل يتسلل من شعاب اللاوعي المنسية في الطفولة، لينعكس على الوعي، على اللحظة الآنية متاهاتٍ من أحلام احبطت، تبرز على السطح هسهسات هي في الحقيقة صرخات..
مشهد يتنرح بين الواقع و الخيال، الحقيقة و الوهم ، الحاضر و الماضي، عبر سرد تتعدد فيه الأصوات و تتشابك، تؤثته شخصيات تنبعث من عمق الذاكرة، تسهم في إحياء صورٍ لها دلالات رمزية، لعل أهمها صورة شخصية الأم و هي ترغم البطلة طفلةً على قضم قطع الموز ، او ..
السرد المشهدي اللحظي المتوتر، ينساب في زمن نفسي شعوري (أفقي) يحتدم فيه الماضي بالحاضر، تهمس فيه الأصوات، ترتد أصداؤها في ثنايا السرد صرخاتٍ تطلقها البطلة، تنم عن مشاعر متناقضة تراودها من خلال تمثل مكانتها في أعين زملائها في العمل:
قوة، صرامة، و جدية مع حقد و بدانة،في مقابل شعور بالزهو بوصفها مديرة، ما زالت تحافظ على رشاقتها رغم سنها، زهو لا يوازي ابدا ما تحس به من غيرة أمام زميلة صغيرة و جميلة تتميز بذكاء أنثوي تحظى بإعجاب الجميع في العمل، بينما هي تجتر الأسى بسبب صورتها الذكورية المتشددة في أعين العاملين و العاملات معها.
مركب نقص فظيع، يطل من عتمة اللاوعي، و غيرة تصطدم بغيرة العاملين و العاملات منها باعتبارها رئيستهم، و هنا المفارقة الضاربة في عمق النفس الإنسانية، ما يسم الأحاسيس بالاضطراب و الضبابية.
سرعة السرد و كثافة الصور و تَلاحُقُها بين ماض و حاضر و آت تستشرفه الروح القلقة للبطلة عالمًا منتهيًا، جعلت النص يلهث بين النفسي و الاجتماعي، إذ يشرِّح في لحظة، نفسياتِ شخوصِه و هي تتصارع في قلب منظومة اجتماعية كبيرة يلعب فيها الفرد أدوارا تتفاعل وفق ذات القيم الأخلاقية و الثقافية،
فمن الأسرة إلى العمل، نجد ذات الصراع القيمي الذي يرجع بالنهاية إلى صراع قيمتي الخير و الشر، قطبي الوجود الإنساني، و الذين يعكسان ثنائية الوعي و اللاوعي بما تضج به من صخب و صراع في نفسية أفراده، ستعاني منه البطلة و هي المعروفة بجديتها، ستتم إحالتها الى التحقيق بعد الإيقاع بها من طرف نفس الموظفة الجميلة و بسبب الغيرة أيضا، لكنها هنا الغيرة من المركز ..
إن البطلة المأزومة كان لابد لها من وقفة في رحلة الحياة، لتسائل القيم و الأعراف، توجه أصابع الاتهام إلى الأسرة و المجتمع بوصفهما المسؤولين عن عنوستها، عن فرار العريس منها ، عن حبها القديم لمديرها،
عن اصطدام سيارتها في الطريق بالمصباح الخلفي لسيارة تتقدمها في سرب السيارات المرافق لموكب عرس،
موكب من مواكب لا تتوقف في مشهد الحياة، الذي يتمثل مجرد وهمٍ تفيق عليه ذات البطلة اليائسة، في لحظة صدام الوعي بجدار الزمن اللعوب، تحلم في قلب وهم الزواج و وهم الإنجاب، لو كانت أنجبت ذكرا و ليست بنتا، و هذا رفض صارخ لوضعها كأنثى هي ضحية حتميات عرفية ثقافية أهمها حتمية الزواج، الذي به وحده يقاس مدى نجاح أو فشل المرأة، و ليس النجاح في العمل ..
المشهد اللاهث عند نقطة صدام سيارة بأخرى، بطله الحقيقي النفس و ميولاتها المتضاربة، في مجتمع سلطوي يحكم قبضته الثقافية العرفية على أفراده،
و هنا في النص، البطلة المتأزمة الشقية بعنوستها هي الضحية، لكنها أيضا الجلاد، تجلد ذاتها كأنثى، و لا تسلم من جلد المجتمع لها، زملاء زميلات العمل، الخاضعين بدورهم لذات الوعي الجمعي، لذات الحتمية الثقافية..
و لعل صوت الأم المنبعث من البعيد يذكرها بالخطأ الأساس،
و هو عدم احترام مسافة الأمان في رحلة الحياة، ليس فقط بين سيارتها و التي سبقتها، بل مسافة أمان بينها و بين الحلم، تجنبا للسقوط في هاوية الوهم و اليأس و اللامعنى،
النص "مسافة أمان" بأسلوبه السلس المشوق، بتعدد أصواته المنبعثة من صوت البطلة الداخلي، في حوارها مع ذاتها، و على لسان الساردة، هو قصة اللحظة المحتشدة بالصراع نفسيا و اجتماعيا و أخلاقيا، لحظة ممتدة في زمن شعوري قلق، تتأرج فيه شخصية البطلة "العانس" ، ترتج عند نقطة تصادم الوعي و اللاوعي، في منطقة البين بين الصاخبة بالمتناقضات المتشابكة، حيث لا حدود فاصلة بين الحقيقة /الوهم، الواقع /الخيال/ اليقظة/الحلم ، المطلق / النسبية،
لحظة توهِم بالتوقف، فيما ترحل البطلة عبر الزمن ، على خط الحياة، تتحايل على ضغط الحاضر و قيد المكان، لتحكي حكاية أنثى......
رجاء البقالي
***************
مسافة أمان
قصة عبير عزاوي
ارتطمت مقدمة سيارتي بالمصباح الخلفي للسيارة التي تتقدمها. توقف الرتل الطويل كله
همست بغيظ :
-" اللعنة!
هل من الضروري أن تتحرك كل سيارات أفراد العائلة لمجرد الذهاب إلى حفلة عرس
كان يمكن أن نذهب بسيارتين فقط ."
ارتجت السيارة وارتج معها جسدي وارتدّ رأسي إلى الوراء بعنف ، قلت بحنق:
-" كادت رقبتي أن تنكسر ، اللعنة على السيارة"
لم يتوجب علينا أن نذهب إلى كل احتفالات وأعراس العائلة والأصدقاء و إلى كل المناسبات السخيفة تلك ؟!
هسّ صوتٌ في رأسي :
-"تافهون، .ترهات اجتماعية بالية "
هززت رأسي موافقة، فتابع الصوت هسيسه:
- كم تكرهين الموز؟!
أجابه صوت آخر :
-" يالك من غبية ما دخل الموز الآن ؟!
-" طعم الموز مقرف ،كأنك تقضمين فرو أرنب أو سنجاب.
الحيوانات ذات الفراء،.أكرهها أيضاً ،وحتى الألعاب والدمى منها ..كريهة ....ييييعع "
نفضت رأسي بقرف وأخرجت لساني حينما تذكرت كيف كانت أمي تغرقني بها في كل عيد أو مناسبة أو رحلة تسوق،
تلك المرأة مهووسة بالألعاب و الحيونات الأليفة.
لا أنسى كيف كانت تدسّ قطع الموز في فمي وتحرّك فكي السفلي لأسرع بمضغها ."
وجهي الذي قفز في المرآة المنتصبة امامي والتي هبطت بسرعة بفعل الصدمة طالعني غاضباً.
نظرت إلى خطوط التجاعيد الدقيقة التي رسمت جبيني وحددت أطراف جفنيّ.
- ياللقرف!
همس الصوت الأول
خط الكحل الأسود مدّ لسانه لي والألوان الخفيفة حوله ضحكت ساخرة... قال الصوت نفسه:
- مجنونة.
تابع الصوت الثاني :
أتعلمين أن زملاءك في العمل يتوجسون منك عندما تلقين إليهم بالتعليمات الصارمة ؟!
أتعلمين ماذا يقولون؟!
ارتفع رأسي نافياً ، ساعده حاجباي بقفزة للأعلى .
تابع :
- "مزاجية، خرقاء، عانس، بدينة"
- لاااااا هذه الأخيرة كاذبون فيها
قوامي جميل ولا مثيل له ، أقارب الأربعين ولازلت محتفظة بجمالي ورشاقتي.
ردّ الصوت بكلمات و جمل تتوالى بسرعة وتوتر، برافقه الصوت الآخر فتتداخل الكلمات ويتضخم الصدى فانفض رأسي صارخة:
- سكووووووت
يصمت كل شيء
اهمس بإصرار:
-" لن تمرّ مناقصة واحدة دون ان أدققها بنفسي
- سارقون فاسدون"
يعود الصوت الأول للهمس:
-" كيف عيّنوك رئيسة للقسم .. "
أتعلمين مايتهامسون به عنك ؟
هززت رأسي نافية .
تابع الصوت
- " متشددة .. عصابية .. خرقاء
غبية ....عانس حقود ....."
اهمس وأنا أصرف بأسناني:
-" لابد أنها وسمى، تلك ال.........."
تشرئب عينا وسمى؛ واسعتين سوداوين بخطي كحل دقيق الرسم وأهداب طويلة، ترمش بغنج.
وسمى جميلة الموظفات، فراشة القسم كما يحلو للجميع مناداتها وتدليلها للتقرب منها ،
أنا أحفظ حركاتها جيداً،
و أستطيع ان أكشف أفعالها من حركاتها ؛ عندما ترمش أجفانها بسرعة فلابد أن أحدهم غمزها أو أشار لها إشارة ذات معنى، و عندما تغمض عينيها نصف إغماضة وكأنها تتأهب لتأخذ قراراً فذلك يعني أنها تلقت هدية او دعوة على الغداء ،وحين تميل بجذعها نحو الأمام يكون المتعامل قد دسّ لها مبلغاً محترماً بين صفحات الطلب . وعندما تعقد ذراعيها أمام صدرها فهذا يعني أنها تعتزم القيام بوشاية ما.
-" سأنتقم منها شرّ انتقام ربما أنقلها إلى الديوان !
قال الصوت:
لا لا هذه فكرة ساذجة؛ المدير سيجعلها سكرتيرته الخاصة"
عدلت عن رأيي وهمست:
-" لن أمنحها هذه الفرصة ."
قطع حبل أفكاري
صوت طفلة تبدو في السابعة من عمرها يهمس:
-انتبهي ماما
شهقت ُ وأنا ألتفت للمقعد الخلفي قائلة:
- ماما ؟!
هزّت راسها ونظرت إلي .
كانت ترتدي ثوباً عاجي اللون وخصلات شعرها الأشقر تتبعثر على كتفيها
همست بلا وعي :
-" لاتخافي حبيبتي
انا منتبهة خطأ صغير فقط .
همست لنفسي وأنا أدير وأحني رأسي للأسفل :
-" خطأ صغير أيتها الكاذبة، لقد حطمتِ مصباح السيارة"
قلت بصوت مرتفع :
-" سأصلحها لابأس"
قالت الطفلة.
-" تصلحين ماذا ؟ "
التفت لأجيبها لكن المقعد الخلفي كان فارغاً .
الثوب العاجي اللون تلاشى ومعه الطفلة والشعر الأشقر ...
همس الصوت :
- ألست تكرهين اللون العاجي؟!
-" بلى "
-" لم تلبسينه لابنتك؟!"
-" أية ابنة؟! يا للسخف ... لقد اختفت..إنها محض وهم!
" قلت له لاأريد إنجاب فتاة !أريده صبياً اولاً
لو بقي معي لكان عندنا الآن أولاد وبنات.
-" كانت أمك هي...."
-"لاتثرثر ... أمي ليست سبباً رغم أنها تجبرني على حضور الأعراس كلها كما كانت تجبرني وأنا صغيرة على مضغ قطع الموز
هو كان جباناً حين تركني في ليلة العرس."
همس الصوت:
-" أنت كنت جبانة ولم تخبريه بحبك؛
كان يظن أمك قد أجبرتك على الزواج!"
عينا وسمى ترمشان حين تذكر اسم مدير القسم هل كانت تعلم أنه حبيبك القديم نفسه ! "
همست للصوت الغبي:
-" لكن تلك المناقصة تبدو مختلفة
ماالذي فعلته وسمى ؟!
نظراتها المتشفية تبدو وقحة، وهي تسلمني أمراً إدارياً بإحالتي إلى التحقيق . غداً سأمثل امام لجنة الرقابة ..
وأنا متورطة الآن بهذا العرس السخيف."
السيارة لا تستجيب لي و مازالت ملتصقة بمصباح السيارة التي أمامي.
من النافذة يطلّ وجه أمي المكفهر وهذا ماكنت أخشاه ؛ صوتها وهي تهتف صارخة:
-" لقد حطمت مصباح سيارتي
أيتها الغبية الم أقل لك لاتشردي اثناء القيادة!
متى تتعلمين أن تحافظي على مسافة أمان كافية؟!
عبير عزاوي
الناقدة رجاء البقالي

عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية