-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة نقدية للأستاذ الناقد: أحمد طنطاوي/ مصر / .. قصة ماذا تقول الأغنية بقلم: صديقة علي /سوريا /

 
Ahmed Tantawy

ماذا تقول الأغنية:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
"الغناء سر الوجود"
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الأغنية المزاملة المرافقة ...
هي اللحن الذى يرافقنا جميعًا في أوقات الشـــــــــــــدة و الضيق .
إنها الصوت الخفى الهامس الذى تموج به النفس كنوع من الرثاء
و الخداع و التلهى ،هي ضربات الإيقاع الخافنة التي تُلح علينا أن
نُكمل مســيرتنا الجبرية في حياة ملؤها الألم ، فهى ليست عرضية
أو هامشــــــــية أو علامة تافهة ، بل إنها على العكس كل المعانى .
و هي في النص عموده الفقرى الذى يظهر لنا كل فترة ليحفظ التوازن
_ سواء توازننا نحن أو توازان نوتة النص نفسه الذى كل مســـاحته
الجغرافية هي مســـــــــــــــــــاحة زنزانة ضيقة تخلو غالبًا من مرآة .
_السجن_ الذى هو في حالة السجن الانفرادى يمثل أشــــــــد مظاهر
العزلة _ هو أداة للاكتشـاف... ضيق المكان و اتساع افق المخيلة هو
كل إتاحات التفجر الداخلى حين يضطر الإنسان أن يكلم نفسه بصوتٍ
ب عالٍ ، أو يكلم الجدران الكئيبة الناظرة إليه ... أو ينشـــــد أغنية !
ــــــــــــــــــــــــــ
في رواية مصرية_ واقعية _لا أذكر عنوانها قرأ مسجون على الحائط
الباهت لجدران الزنزانة كلمة كتبها أحد البؤساء الذين ســـكنوها قبلا
بقطعة فحم :
" إلى هؤلاء الذين ستجبرهم الظروف على قراءة أحرفى تلك أن يتذكروا
دائمًا أن الموت هو نهاية المطاف ، و حينها ستــــختفى كل الآلام التي
تركت فينا أظافرها الحادة ... فلنحاول أن نعيشه من الآن ، و نخلق لنــا
عالمًا يتجاوز هذا المكان الضيق الكئيب ، ففي داخنا ساحات من اتســـاع
لا حدود لها ، و حدائق علينا أن نراها جيدًا و أن نتمتع بظلال أشجارها
و مياه جداولها ...
أنظر إلى هذه الشجرة و ذلك الجدول داخلك ..
اســتخرجهما فورًا من الأعماق ... و غنى أغنيتك المفضلة دائمًا "فالغنا
سر الوجود ، وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود " .."
ــــــــــــــــــ
القصة تذكِّر ببعض الأعمال التي تناولت هذه التجربة التعســـــة كرواية
"ذكريات في بيت الموتى " لدوستويفسكى ، و رواية " الغريب " لألبير
كامو في جزئها الأخير , و كتب الترجمة الذاتيــــة لمن عاشوا التجربة ,
و بالمناسبة فإن عقاب النقط الساقطة بانتظام على الرأس الحليق للمعتقل
_ السياسى _ أو الأسير ، هو عقاب مذكور في كتب الحرب النفســــية
التي تتناول غسيل مخ المسجون و طرق التعامل العقابية مع المســاجين
و الأســـــرى سواء بغرض التعذيب أو للحصول على اعترافات ( هذه
النقطة هي وســــيلة بشعة لأنها تتحول بعد فترة إلى طبول تقرع المخ ,
و تكون بمثابة مسمار ضخم يدق بعنف في أغوار الكيان كله من الرأس
إلى القدم ) و الإشارة العبقرية لها في النص _ تتابعًا_ تمثل أيضًا نفس
انتظام الأعنية ... إنها التردد الصـــــارخ المقابل و الموازى _ و الذى
يحقق أيضًا على المستوى الكتابى _ إيقاعية الســـــــرد و يجسِّم نوتته
الموســيقية (هي نفس رقصة زوريًا الذى كان يتكىء عليها كى لا يجن) :
** انتظام الضربات البشعة على رأســـه ــــــ
** انتظام الأغنية _ استدعاءً وجدانيًا_ داخله
خاصة أن النص اســــــتخدم أسلوب تيار الوعى الذى تنفرط فيه الأفكار
و الذكريات تسلسلا؛ فكرة تتبعها فكرة مرتبطة .
إجابة سؤال النص و عموده الفقرى "ماذا تقول الأغنية؟"، و مقصود بها
حتمًا { أي أغـنية في هذا القبر} :
أنها كل المعانى اللازمة ، و كل الحياة في أوقات انعدام الحيـــــــــــــاة .
( أحمد طنطاوى)

ماذا تقول الأغنية.. قصة قصيرة \ صديقة علي
متعب جدا باستحضار كلمات أغنية... كانت يوما تملأ الفضاء الفاصل بين
نافذتي وشرفة الجيران، مطلعها يلحّ على تلافيف دماغي ويدور في ظلام
المكان، افتقاده لنافذة يجعله أشبه بقبر... ليس القبر بمصطلح مناسب لهروبي
المؤلم، لأعود إلى الأغنية، انشغالي بها أنساني قدميَّ المتورمتين.
ومرت الأيام نعم تذكرتها... 《دارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام
وقابلتك...》
آه كم كانت النسمات البحرية العالقة بصوت أم كلثوم منعشة، ماذا قالت بعد
أن قابلته؟، لا أدري ...
أحدهم يقرع على الحائط: اسكتْ أو اكملها، تكرارك ،لذات الكلمات ، تعذيب
آخر، كقطرات الماء المتساقطة بانتظام على رؤوسنا.
- زيارة.
جاءت في أوانها، الآن سأسألها كيما تخفف من عبء نسياني للكلمات، اللحن
يمور في شراييني؛ فأسير رقصا عابرا للممر الطويل ...
كان الأمر مقتصرا على اجتيازها لممر يفصل بين عالمينا، لتصبح مالكة لبيتي
كارهة لمكتبتي، معترضة على اجتماع رفاقي في غرفتي الجوّانية، وكم كانت
تضيق ذرعا بأغانيهم، هي لم تكن تطيق الشيخ إمام ولا أشعار محمود درويش،
وأنا كنت أنتقد تسليم عقلها لمخدر موسيقي، بالرغم من حبي الضمني له، هأنا
أغني أغانيها فقط. يصفعني الحارس بكفه الثقيلة على ظهري ويزفر متأففا من
رقصي، ينظر في عينيّ شزرا: أأنت مجنون؟ لا غرابة فالكل هنا يعتقد ذلك.
- أين أمّك؟
دموعها تقطع ظلال مربعات الشبك على وجهها البريء الحزين ...
أجابت نظراتها المتلعثمة بالحقيقة المرة، وطأطأت رأسها بصمت، فأشفقت عليها
وتوقفت عن إيلامها.
- أبنيتي، هل تتذكرين ماذا بعد (وقابلتك) في دارت الأيام؟
ترتبك شفتاها، تشع ضحكتها المبللة بالدموع، تحتفي بالخلاص من هم الجواب
عن أمّها. تميل برأسها وتؤرجح يدها كأنها تقف على مسرح وتلوح بمنديل يخلخل
الهواء فيتمايل كل الحضور:
- (وقبلتك نسيت أني ... خصمتك... وسامحت عذاب قلبي)
- آه ...
ندت آه حرّى عن الحارس المتبختر بين الشبكين، الفاصل بيننا، لكن تأوهه لم يوقف
صدى صوتها العذب، ساهما كنت في أنامله التي راحت تعزف على الباب الحديدي،
انتبهت كم هي غضة وناعمة، لا تصلح ان تكون بكف سجان، أو لعله قد استبدلها...
أضحكتني فكرة الاستبدال. طال تفكيري بيده وطالت الزيارة أكثر من المسموح لها
ان تدوم، ودام ندى زهور ابنتي في هذا القحط.
... لطالما كان صوتها ينافس العصافير في حدائق ملكت طفولتها، وعلى منابر مدرستها ،
وكم كنت أشعر بالفخر وهي تتصدر فرقة كورال الجامعة .
نسيت مصير زوجتي، أتعبني خلق المبررات لها، أو انشغلت عنها في مراقبة الحارس،
أبحث في رأسه عن أذن ثالثة للموسيقا. بعد تلك الآه، صرت أرى فيه إنسانا مختلفا،
وقد يكون عاشقا.
وبقيت تدور الأيام حتى موعد الزيارة التالية:
- ماذا تقول أم كلثوم بعد "وما أنا بالمصدّق فيك قولا".
- "ولكني شقيت بحسن ظني" ..... صدّق أبي صدّق ... وكفاك شقاء بحسن ظنك.
وتابعتُ الغناء، أدحر ما استطعت من العتمة إلى أن أشرقت شمسي.
اتّكئ على كتف ابنتي -وقد كبّرها الانتظار- نغني معا" درب الرجوع لعشّ الطفولة" ،
في حدائق تحتفي صغار عصافيرها بعودتنا.
صديقة علي ... سوريا




عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية