عين الرقيب
قراءة وتحليل النصوص الفائزة بالمسابقة الدورية للقصة القصيرة جداً لشهر مايس/ مايو 2021
أ . ساجد المسلماوي
بابل / 2021
قراءة وتحليل النصوص الفائزة بالمسابقة الدورية للقصة القصيرة جداً لشهر مايس/ مايو 2021، أو ما أسميه عين الرقيب.
ما يذكر هنا يمثل وجهة نظري النقدية للنصوص الفائزة والذي يتعلق حصراً بالنصوص لا الشخوص … لذا أقدم كامل
احترامي وتقديري لأصحاب النصوص جميعا.
1- النص الفائز بالمركز الأول وهو للكاتب صابر جاسم المعارج:
عزيمة
... وانطلقا ينشدان مشرق الشمس.
اتخذ كتف صاحبه عكازا، وانهمك مبينا له معالم الطريق!
يكمن جمال هذا النص في تعدد تأويلاته وانفتاحه على عدة أفكار ممكن ان تقلق المتلقي، بمعنى تجعله شريكاً حقيقياً في النص.. يشير مشرق الأرض الى الجزء الشرقي من العالم الذي يحتوي على ثروات أكبر وحضارات أعرق، ويشير العكاز الى ضعف الغرب وعجزهم بدون حصولهم على تلك الثروات، لذلك درسوا وخططوا ووضعوا خارطة الطريق باتجاه النهب والسلب!
ويمكن القول إن هذا ديدن كل وصولي يحاول القفز على أكتاف الآخرين... من حيث البنية تشير النقط الثلاث في بداية المتن الى أن هناك ما هو مسكوت عنه ومتروك للقارئ كي يستشف ما يستشف... العنونة أيضا متماشية مع الاتجاهين الخير والشر، وكله يصب في مصلحة التكثيف الذي نعتبره هنا في أعلى توصيفاته الدقيقة.
مبارك للكاتب صابر جاسم المعارج.
2- النص الفائز بالمركز الثاني وهو للكاتب بشار سالم عليوي:
أخوة
تنافسوا على عباءة حاتم. حين عُرض عليهم كرسي سليمان، استحضروا ناقة البسوس.
طبعا حاتم وكرمه إشارة الى العرب وتراثهم الزاخر بالبطولات والشهامة والكرم والشجاعة، انما حين يكون الأمر كرسي الملك يحضرون ناقة البسوس ليتقاتلوا عليها دهراً.
العنونة جاءت من باب الكوميديا السوداء، أخوة باللفظ والادعاء... ملاحظة صغيرة، وجب وضع فاصلة منقوطة بدلا من فاصلة بعد كلمة (سليمان) لأن الجملة الأولى كانت سبباً للجملة الثانية.
الفعل الماضي المبني للمجهول (عُرض) إشارة الى الأيادي الخفية التي تحاول أن تدق الأسفين بين العربان بعضهم البعض!
مبارك للكاتب بشار سالم عليوي.
3- النص الفائز بالمركز الثاني وهو للكاتب علاء محمد السوري:
وشمٌ
على جمرِ الجوعِ مشيْتُ حافيَ الاشتهاءِ، عصبْتُ بطنَ أمنياتي... حينَ بلغْتُ ضفَّةَ الفرجِ؛ لمْ ألتفتْ إلى الوراءِ... لكنَّني كلَّما رأيْتُ مسكيناً تحسَّسْتُ قدميَّ.
استخدم الكاتب هنا الرمزية العالية في سبيل الارتقاء بالمستوى الفني للنص، وقد نجح في هذا المسعى الى حد بعيد على الرغم من الشعرية التي طغت على عموم المتن وفي جميع الجمل تقريباً، في الحقيقة من أروع الصور التي مرت علينا لوصف الجنين في بطن أمه ورحلته المكوكية قبيل منطقة الاشتهاء والطمع... الجميل في حكائية هذا النص أنه يقول ما هو متخيل فيتجسد في عقولنا وكأنه الواقع المرير، فبرغم من رغبة هذا الجنين لأن يدخل معترك الحياة (لمْ ألتفتْ إلى الوراءِ) الاَ أنه ظل في حيرة من أمره حيث انه شاهد إن من جاؤوا قبله الى الحياة لازالوا للآن حفاة... فلسفة الحياة المرة... يشير الوشم الى السمة التي تظهر
النص حقيقةً نموذج للتقنية المعتمدة على الرمزية والشعرية دون المساس بالإطار العام للثيمة وحدتها وتماسكها..
مبارك للكاتب علاء محمد السوري.
4- النص الفائز بالمركز الثالث وهو للكاتب جبار القريشي:
دَعِي
تدلى بخيط عنكبوت، ابتلعه بئر كولا، دار في أحشاء الجحيم، لم يجد باباً للهروب؛ عاريا ظهر أمام نفسه.
بئر كولا هو أعمق حفرة موجودة على سطح الكرة الأرضية يقع في مدينة روسية ويبلغ عمقه حوالي 12000 متر وتبلغ درجة الحرارة في الأسفل 180 درجة مؤية، وقد يكون قد استخدمها الكاتب هنا إشارة الى الهوة السحيقة أو العاقبة الوخيمة... فم ذا الذي يغامر بالنزول بخيط العنكبوت الى هذا العمق سوى من يدعي الشجاعة والبطولة... وهكذا ينسحب الأمر على كل دعي وأفاق وضلالي.
الاستعارة هنا ببئر كولا كان ناجحاً لولا قوله (الجحيم) لأن الجحيم بالتأكيد أكثر هولاً وأعظم ضرراً فكان من الضروري عدم ذكرها أو الاستغناء عن بئر كولا نفسه.
مبارك للكاتب جبار القريشي.
5- النص الفائز بالمركز الثالث وهو للكاتبة مرح صالح:
مَدْحَضَة
في مزادٍ سِرّي، باعنِي رجْسَهُ، ابتسمْتُ مُفْلتاً العروةَ الوثقى.. بينَ قرنيهِ اهتزَّ جدارُ توبتي؛ نصبَ لي وسواساً آخر، بينَ (الخطاطيفِ والكلاليبِ) أضاعنِي لفظَ الشهادةِ.
دحضَ في قواميس اللغة تعني أبطل الحجة... النص يتناول صراع الإنسان الأبدي مع وسوسة الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء... أعجبنا كثيرا قولها (في مزادٍ سِرّي) فدائما ما يخطط للأفعال الدنيئة بسرية تامة يشرف عليها صاحب القرنين (الشيطان)... البطل هنا انساق وراء هذه الوساوس واستخدمت الكاتبة هنا الشعرية من خلال قولها (بينَ قرنيهِ اهتزَّ جدارُ توبتي) ... الى الدرجة التي لم يستطع معها نطق الشهادتين والعياذ بالله!
فيما عدا بلاغة وروعة اللغة هنا، فالنص لم يقدم جديداً على مستوى التأويل كون الثيمة تمثل هنا من مرويات الإرث الديني، وما ورد في الكتب المنزلة ما يخص الثواب والعقاب.
مبارك للكاتب مرح صالح.
6- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتب احسان علي العارضي:
انتخاب
أردنا الخروج من القوقعة؛ اصطدمنا بمن حولنا...
سرنا في حلقة مفرغة؛ تشابه البقر علينا!
قضية الانتخابات والاقتراع لاختيار الأنسب في الممارسات الديمقراطية أصبحت حديث الشارع خاصة في الدول التي طالتها هذه الديمقراطية حديثا... ويتحدث الكاتب هنا عن التجربة العراقية بالذات، فبعد القوقعة (السجن الكبير) الذي بنته السلطة الجائرة سابقاً، أصبح الناس في حيص بيص مما رأوه بعد الخلاص من هذه الديكتاتورية فتشابه البقر عليهم في إشارة إلى حاجتهم إلى دليل أو منقذ.
أيضاً النص هنا لم يقدم ماهو جديد على مستوى التأويل بل نجزم أنه يتيم التأويل.
مبارك للكاتب احسان علي العارضي.
7- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتب جعفر صادق الحسني:
نواميس
عادوا من ارضِ المعرَكَةِ اصلَبُ عوداً، يَحمِلونَ أعلى الأوسِمةِ، هَمَسوا لِبَعضِهم بِلِقاءٍ قَريبٍ، مُتَوَجِهَةٌ ابصارُهُم صَوبَ السَماءِ ... ابتَسَموا، اوصَلوهُم عِندَ اهلِهم يَلُفُهُم علم.
الناموس هو القانون أو الشريعة... يتمجد النص بشهداء الوطن وما قدموه من تضحيات في سبيل الذود عن حياضه فكان تكريمهم بلفهم بالعلم وهو ناموس الوطن والسماء... الملاحظ أن جميع جمل المتن طويلة وإخبارية بشكل واضح ما أضعف من ركن الاختزال ومط في الثيمة ففقدت التكثيف المطلوب، فضلا عن أحادية التأويل.
مبارك للكاتب جعفر صادق الحسني.
8- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتب محمود منصور:
عري
علا صراخه ، أشرقت الشمس رفقا"به ، عند الغروب أضرب القمر عن الظهور ، خرج السجان يعد النجوم .
نقول أولا هناك إهمال في وضع علامات الترقيم ووجود المسافات التي بينها وبين الكلمة التي تسبقها.
يتناول النص حياة السجناء بالذات السجناء السياسيين من خلال قوله (علا صراخه) ويقصد تعرضه للتعذيب ، وبعد أن انقذته الشمس صباحاً من عذابه استقبله ليل جديد بلا قمر، وسجان يعد النجوم حتى الصباح البعيد!
نجح الكاتب في وصف حالة البطل بشك رائع، إنما ظل النص أحادي التأويل... باختصار نص جميل بإسلوب بسيط.
مبارك للكاتب محمود منصور.
9- النص الفائز بالمركز الخامس وهو للكاتبة نوال الهلالي:
تذَرُّع
الخردةُ التي دارَتْ حولَ الأرض لعبةٌ انطوَتْ علينا تماما؛ بعد ان جعلتنا نراقبُ السماءَ بهلعٍ.
عندما سقطت في المحيط؛ تنفسنا الصّعداء. لم نلتفت الى صيحات حي الجَّراح لان رقابنا باتت متشنجة.
نص يتيم التأويل أيضا، الصاروخ الصيني التائه الذي أرعب العالم وجعلهم يراقبون السماء، الهاهم عن النظر الى الجريمة النكراء التي ارتكبها الصهاينة في حي الجراح بفلسطين... نص إخباري وصفي، وإن عظمة الحدث ليس ذريعة لكي نكتب قصة قصيرة جداً مع هكذا ترهل واسترسال!!!
ننتظر الكاتبة نوال الهلالي في نصوص أخرى..
10- النص الفائز بالمركز الخامس وهو للكاتبة لين الأشعل:
هٓزيمٌ
مٓا إنْ تٓناوٓلُوا التّمرٓ حتّى قُذِفوا خارجًا..!
كلّ فرد انتشل خرقةً بيضاء طاهرة؛ دُونٓ التفاتٍ وٓدّعُوا حُطامٓ عيدِهم تحتٓ صوتِ مدفعِ الإفطارِ المُتكرّرِ...
اعتدنا من الكاتبة لين الأشعل نصوصاً أكثر قوة من الناحية الفنية، ولكن يبدو أن أهمية الثيمة وتناولها للاعتداء الإسرائيلي على المتظاهرين الفلسطينيين، ربما دفعها لتناول الحدث ولو على حساب تعدد التأويل... مع ذلك فالخاتمة كانت جميلة اذ أصبح من الصعب التمييز بين مدفع الإفطار ومدافع العدو، فيما عدا ذلك فالنص جاء أحادي التأويل كما ذكرنا
مبارك للكاتبة لين الأشعل.
أخيرا ابارك مرة أخرى لجميع الفائزين وأتمنى لهم دوام الابداع، واتقدم بوافر الشكر والتقدير للصديق المبدع محمد الميالي، وللصديقة المبدعة أميرة ابراهيم لإدارتها المسابقة بكل حرفية، وللجنة الحكم الموقرة.