السرد الروائي الشعري في _وكر السلمان_
بقلم / الأديبة ندى محمد عادلة
إلى من يحب أدب الرواية
بين يدي وكر السلمان أتصفحها على فضاء أزرق ملون بالطعنات والمنافي والجنون وأشهد معها على دموية الحروب وآثارها ودورها الخطير في تعاسة البشرية وشيوع الجريمة في الأرض , هذه الدراسة المتواضعه كان قد نشرها الصديق الشاعر محمود بكو في مجلته الثقافية
.......................................................
استوقفتني رواية الشاعر شلال عنوز وأحببت العين الساحرة لدى الروائي التي ترى وتسمع من دائرة الحكمة والبصيرة ويختلط معها الألم البشري بالعقلي واللاعقلي , والحدث الطبيعي باللاطبيعي والإنساني باللاإنساني مع الشخصيات الموصوفة بشكل عام في رمال صحراء توحشت بالقهر والموت المبرمج من أفعال الانسان وشروره ...
الاديب في الرواية هو المتكلم الحاضر حتى لو لم يكن له حضور داخل الرواية التي يحيكها هو السارد الأول لشخصيات امامه يعاصرها وقد يكون عاشها مع أصدقائه وجيرانه
بدأ روايته وقدمها كهدية موثقة لمرحلة ما ، من تاريخ العراق ولضحايا الحروب والدمار لدى الإنسانية المعذبة بالأرض بفعل ضحالة الفكر وتهميشه عند الأكثرية من البشر في الوطن والمنشأ عراق الصبر والموت المجاني ....
بدا من موقعه تصوير هؤلاء المعذبون من يمتهنون لغة القتل من يعتاشون على أنقاض الحروب ودمار الانسان ...رسم المشاهد بمهارته الحسية والمشاعرية
فمنهم الدراويش والبسطاء المغرر بهم ومنهم من لم يجنوا بحياتهم الا الباطل والخراب وما أكثر المجرمون والفاسدون في البنية الاجتماعية لمدن الحضارات المدن التي صدرت القوانين والتشريعات الى العالم يسود فيها الاجرام والمجرمون وأثرياء الحروب يا للعجب
الروائي شلال ترك لنفسه فاصل ومسافة بينه وبين الحدث ليبلور صوته وخطابه الحر ولا يكون مضطرا الى التورط مع شخصياته فهو العارف والمتفرج والشاهد العيان على متاهات وكر السلمان قبو الشيطان مسقط رأس النعمان البطل الشرير الدموي وكل من يملك زمام الاجرام ....ما يتميز به الروائي شلال هو الغوص في أعماق شخصياته وتوصيفها بحكمة وعدالة القاضي , وكيف لا وهو رجل القانون والضليع بمعرفة خفايا النفوس وتركيبة النفس البشرية وتوظيف تقنيات القانون في مجريات الاحداث , إضافة لذالك امتلاكه لناصية الشعر والأدب مما يجعل السرد يتحمم بالضوء والمطر ويسقط دفئا وينجب ابداعا وفوزا بهذا الترتيب السردي الزمني المترابط البنيان ....
ولايمكننا تجاهل عناية الكاتب بالتماسك السردي في بناء الفعل والوظائف الحدثية فهو يروي وينقل ويفسر الاحداث ويبررها بمنطق العقل والتاريخ ومرجعياته الفكرية والعقلية
الأمكنة فضاء واسع لما يروى ويقال ورؤيا للكون والحياة من مختلف الجهات .... الصحراء ومدنها جفاف وعطش لأحلام الانسان وأمانيه واستطاع توظيفها في الاحداث حيث تحولت الأمكنة والمحافظات الى مسارح متنقلة تحمل اليتم الفكري والنفسي وحضور الدم والاجرام كعنصر رئيسي يزرع بنسق الخراب والتمزق والقتل ....
زمن مشتعل ومفجع وشهادة حارقة على دموية المكان والزمان وانشطار الحياة الى قسمين قسم ملون بالعبث والفوضى والقسم الآخر للتمني والأحلام والتوق الى الأمان ...
أجمل الكتابات ما كتب عن الأوطان ولا منفى الا منفى الكتابة ولا حضور الا للقلم عندما يفكك ويعيد تركيب صور الحياة من منظوره وفضيلته
الرواية تحمل شهية القارئ للقراءة بقاموس غني في الأحداث والارتقاء بإنسانيتنا وفكرنا وتبجيل الكلمة والابداع وكم نحن بحاجة الى أصوات أصيلة مختلفة تقدم للكتابة روحا وامكانيات جديدة تأسرنا وتحررنا بالدهشة والجمال ....
ندى م عادلي