الغريزة والشهوة
بقلم : عبد الحكيم الفاضل - سوريا
ما زال علماء النفس والفلاسفة في حيرة من إيجاد تفسير موحد لتصرفات المخلوقات على اختلافها. و التي تحمل الكائن الحي على القيام بأعماله المختلفة كالأكل و التزاوج و الدفاع عن النفس و غيرها, فلجأوا إلى تفسير تلك الغرائز عند الانسان و عند الحيوان كل حسب خصائصه.
يذهب أصحاب نظرية تطور الأنواع (دارون) إلى أن (الغريزة) كلمة تستخدم للدلالة على قدرة الحيوان على أداء سلوكيات معينة منذ الولادة . و أعتقد كثير من العلماء في القرن الثامن عشر أن الحيوانات ليست لديها القدرة على التفكير و من ثم فإن واقع تصرفاتها هي قوة بيولوجية داخلية تؤدي إلى سلوكياتها بأشكال مختلفة.
و على عكس ما اعتقده الفلاسفة و علماء النفس أن البشر محفزون للحياة بطبيعتهم الباحثة عن المتعة و الهاربة من الألم فقد جاء عالم النفس النمساوي فرويد في نظرية التحليل النفسي الذي يرى أن الحياة تعتمد على غريزتين فقط هما غريزة الحياة و تسمى أيروس ( أخذها من اليونانية و تعني الحب أو اله الحب ) و غريز الموت و تسمى ثاناتوس ( و هي أيضا مستوحاة من الأساطير اليونانية و هو ابن آلهة الليل نيكس الذي يمثل الروح التي لها أجنحة و يجسد بها الموت ) و غالبا ما تتغلب غريزة الحياة على غريزة الموت الأمر الذي يجعل الإنسان على قيد الحياة. كما أن فرويد وجد ثلاثة جوانب في شخصية الانسان تتحكم بسلوكه هي : الهوى والأنا و الأنا العليا . و الغرائز كثيرة حددها عالم النفس الإنجليزي مكدوجال بثماني عشرة غريزة, إلا أن علماء آخرين افترضوا وجود عدد أكبر من الغرائز من تلك التي أشار إليها فرويد ومكدوجال. وقد بلغ عدد الغرائز المئات بل الآلاف.
و بعيدا عن المادية ، فإن الله عز وجل خلق الحيوانات و الطيور و الحشرات و على رأسها الإنسان ثم غرس فيها منظومة من الغرائز تعينها على العيش والتناسل والتكاثر و متابعة مسيرة حياتها . فالغريزة صنعها الله و غرسها في نفس الكائنات الحية لكي تولد الإحساس بالحاجة تجعله يسلك سلوكا معينا يقوم بإدراكه و يسعى للوصول إلى هذه الحاجة مثل الأكل و الشرب و الجنس و حاجات كثيرة أخرى.
و يختلف الإنسان عن باق الحيوانات في طريقة إشباع الغريزة بوجود العقل الذي ميزه الله به عن غيره و غرز في نفسه الشهوة التي تناولها علماء النفس و البيولوجيا و الانثروبولوجيا ووضعوا لها تعريفات فقالوا إنها الدافع الواعي نحو شيء معين والذي يعد الانسان بالمتعة و الرضى . و قد صنف العلماء الشهوة إلى نوعين من الشهوات ، إحداها تشبع الناحية الجسدية و الثانية تشبع الناحية الروحيه مثل الفرح و الحزن و الكآبة و التأمل و الموسيقى و الغناء و الرسم و كلها منظومة شهوات في النفس تظهر لتشبع الناحية الروحية للانسان . فالبكاء غريزة في كل البشر. فإذا ألمّ بالإنسان مصيبة أو فقد إنسان عزيز عليه نجده يجهد بالبكاء ويحترق من داخله بسبب الإحساس المؤلم. ويمكن التعبير عن مشاعر الحزن والألم بالكلمات والحروف فنجد أن الشاعر يبكي بالكلمات والحروف عندما يقول الرثاء.
والنفس تشتهي الأشياء التي يطلبها الجسد ويحتاج إليها وهي ميل ورغبة كلما حاول صاحبها إشباعها كبرت وطلبت المزيد. وهي ليست كالغريزة الموجودة عند جميع المخلوقات، فهي خاصية في الإنسان و هي أكثر انضباطا و تهذيبا من خلال الوعي الاجتماعي و العقل المدرك الذي يتحكم بها. فيمكن للانسان أن يشتهي نوع من الطعام حتى وإن لم يكن جائعا. فهي ليست مجرد استجابة للغريزة التي وضعها الله عز وجل في نفسه وإنما يطورها فيشتهي اللحم مطبوخا مثلا أو مشويا و يجعل من الخضار السلطة. ويمكن أن يتمادى الإنسان في الاستجابة لشهوته فنقول عن سلوك معين أنه بهيمي أي ان الفرد لا يتحكم بشهوته ويطلق العنان لنفسه بلا حدود و لا ضوابط لدرجة يمكن أن يكون الإنسان أكثر بهيمية من الحيوانات نفسها رغم و جود العقل و الحواس التي يدرك بها. فالحيوان يتصرف حسب الغريزة التي خلقها الله له و هو يستجيب لغريزته بحدود معينة لا يزيد عليها بينما يمكن للجشع الموجود عند الانسان أن يتعدى الغريزة البهيمية و يتعدى سلوك الحيوانات و ليس له حدود ( يقول أنشتاين : " إثنان لا حدود لهما , الكون و الجهل ". و يمكن أن نضف إليهما جشع الإنسان الذي لا حدود له و لا يمكن أن يصل إلى حد. و هناك فرق بين سلوك الإنسان في الجشع و سلوك الحيوان فعندما يصطاد الذئب فريسة لسد حاجة الجوع على سبيل المثال نجده يترك شيئا لباق الحيوانات الجائعة إذا شبع لتاكل من فريستة , أما الانسان و ان شبع فإنه لا يترك شيئا للانسان و لا للحيوان. حتى قيل في جشع الانسان :
الذئب يترك شيئا من فريسته للجائعين من الذؤبان إن شبعا
والمرء وهو يداوي البطن من بشم يسعى ليسلب خاوي البطن ما جمعا
و يقول مكسيم جوركي في الجشع: " لا تعطوا أكثر مما أخذتم حتّى لا تنمو في الآخرين غريزة الجشع، إنّ الإنسان مخلوق جشع إذا نال أكثر مما يستحق فلن يكُفّ عن المطالبة بالمزيد " .
و الإنسان لديه غريزة التملك و كثير من الأحيان يتم الخلط بينه و بين الحب , فيمكن بحجة الحب أن تبدأ السيطرة على الآخرين بشتى الوسائل و نجدها كثيرا في العلاقات الزوجية ، حيث يحاول أحد الزوجين السيطرة على الآخر وكأنه جزء من أدواته الشخصية و لا يعير الانتباه أن الشخص الآخر لديه الخصوصية و الحرية الشخصية و ذلك بعذر أنه يحبه. يقول إحسان عبد القدوس في هذا السياق : " شئ اسمه الحب وشئ اسمه غريزة التملك وبين الحب وغريزة التملك خيط رفيع.. رفيع جداً.. إذا ما تبينته تكشف لك الفارق الكبير ". و يقول ميخائيل باكوني : " إن غريزة السيطرة على الآخرين في جوهرها البسيط هي غريزة وحشية وهمجية تماما ". و نذكرمن الغرائز الاخرى الموجودة لدى الإنسان و الحيوان و التي تمثل السلوك الغريزي :
إمساك الطفل الرضيع بثدي أمه للرضاعة دون
أن يعلمه احد كيف يرضع و كذلك الحيوانات الثدية على أشكالها مثل الارانب و القطط و الكلاب .
وضع أنثى حصان البحر البيض في جيوب على جسم الذكر ليقوم ا بتخصيبها حتى تفقس بعد 45 يوم.
وقوف ذكر البطريق على قدميه لأربعة أشهر لحماية صغاره بينما الأنثى تسعى لتحضر الطعام
سباحة أسماك السلمون بعكس تيارات المياه لمسافات طويل لتضع بيضها وتموت منها المئات قبل الوصول الى مكانها.
حمل انثى الفيل الجنين في بطنها لمدة 22 شهرا و ترضعه سنتين .أي أن غريزة الجنس لا تتحرك إلا مرة كل اربعة سنوات .
و نتساءل في نهاية المطاف من برمج هذه الكائنات لتحن على صغارها وتحميهم و تتحمل البرد القارس و تدافع عن صغارها حتى الموت و الشعور بالأبوة و الغيرة و ما إلى هنالك . فمن منظور قانون العلة أو قانون السببية نفهم أنه لا يكون هناك برنامج دون مبرمج و أن من وضع هذا البرنامج المحكم هو الله سبحانه و تعالى و السلوك الذي تقوم به الكائنات الحية إنما هو انقياد للإلهام الإلهي الذي غرسه الله في نفسها . ونسبة الخطأ في هذا البرنامج صفرا و و لو كان غير ذلك لما كان للطائر أن يطير و بل يمكن أن يحاول الزحف أو المشي فقط و هو لا يخاف من المرتفعات ،على عكس القط الذي لو عرضته الى مكان عال لوجدته يرتعد خوفا و يخاف من السقوط و بفر هاربا. و لوجدنا حيوانات أخرى مثل السلاحف ستحاول الطيران و يصبح الأمر عشوائيا . فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . فهو الذي وضع الغريزة و الشهوة في نفس الكائنات الحية بطريقة محكمة مبرمجة و هدى كل من هذه الكائنات على استخدام هذه البرامج للتمكن من العيش ليعمر الكون و تستمر الحياة و تزدهر و يعيش كل مخلوق بالطريقة التي أرتضاها الله له .
انتهت...