حكمة
إنّها ساعة الغروب ..وكلّ من في البيت ،زوجة وأبناء ،لا يحبّون هذه السّاعة وما بعدها إلى طلوع الصّبح . فعند الغروب يعود الأب من عمله المتعب وصباحا يذهب إليه .. التّعب الشّديد لا يبرّر عبوسه الدّائم وحدّة طباعه وقسوة تصرّفاته .. لطالما انتظره طفل السّادسة هو واخته ومعهما أمّ حنون تموت رعبا لمجرّد أن يفتح الباب بشدّة ويغلق إغلاقا مدوّيّا تهتزّ له فرائصهم وتختفي بسببه الفرحة بأوبته. أسرع الطّفل إلى الزّاويّة المحاذيّة لنافذته. هي الأسلم لمراقبة ما يحدث في مدخل المنزل . أسرع الأب منزعجا يقلّب بصره في تلك الفخاخ التي نصبها فجرا لصيد العصافير ..هم يعرفون ذلك ولا أحد يجرؤ على الآقتراب .. يصطادها ليذبحها ويشويها ..لقد تعوّد جمع عدد كبير منها بهذه الطّريقة .. يتلذّذ بذلك ويصدر أصواتا مثيرة للشّفقة عليه والآشمئزاز منه في آن .. يشويها بمفرده ..ويترك لهم القليل منها إذا زادت عن حاجته.. ثم يدخل المطبخ ليتلذّذ بالأطباق الفقيرة التي تكون بآنتظاره .. وإذا لم تعجبه ،لأنًه قد شبع ، فإنّه يقلبها على الأرض ويشبع زوجته عنفا لفظيّا وحتّى جسديّا أحيانا ، ويشبع أبناءه ترعيبا . رآه يستشيط غضبا ،دقّ قلبه الصّغير بسرعة ، فتحت أمّه باب الغرفة، أومأت إليه ألاّ يبرح مكانه فالغيوم تتلبًد وعواء الرّيح يشتد إنذارا بالعاصفة .. هي لا تعلم سبب انعدام صيد بالنّسبة إلى اليوم ..ولا الأب استطاع فهم السّبب وهو الذي ينهشه جوع كافر ويمنّي نفسه بحفلة شواء.. ابتسم الطّفل في الظّلام فلا يراه أحد ..غمره فيض سعادة..لذلك الإحساس بهجة تنعش نفسه البريئة ..لقد حرّر ضحايا المجزرة الأخيرة.بسمة رجب من تونس