-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

دوخة عباس بصبيحة (قصة قصيرة) القاص العراقي علي حداد

دوخة عباس ..بصبيحة

 قصة قصيرة 

علي حداد

من لي بامراءة مثل صبيحة أحبها

حد الموت...أعطيه عمري ..

     


الاهداء : الفنان والمنتج والممثل والمخرج ضياء البياتي..والفنان إسماعيل  ياسين اكثر ممثل في العالم أفلام بأسمه الشخصي ..ساهمت الضريبة بموته فقد  استولوا على املاكه وسيارته الشخصية ..والى الفنان جورج سيدهم الذي سجل كل املاكه باسم واحد من اقربائه  ..فأكلها عليه وسارع في موته ..وعماد حمدي معبود الجماهير حطمت حياته الفنية  يوم صفع عبد الحليم حافظ في فلم الخطايا ..فصار مكروه الجماهير....


منذ نعومة أظافرها كانت تنفر من درابين الدهانة وأزقتها ومجاري المياه التي تشق الدربونة الى نصفين .. وتستنكف من بيت خالتها فخرية في محلة أبو دودو ومن بيت عمتها فطومة في محلة الطيطران ومن مدرستها في ابوسيفين ،وحين أصبحت في السابعة عشر من عمرها كبر معها هذا النفور..وهذا الأشمئزاز من البيوت المتلاصقة والدكاكين..والباعة المتجولين، ومن أقرانها الراضيات بقسمتهن..وبقت صبيحة تتطلع بشغف الى المدن الكبيرة ،الكرادة والمنصور والحارثية وحتى علي الصالح لم يسلم منها..مرات كثيرة أودعت في اذني وهي   تحدثني عن هذه المدن :-     

_- عباس حتى البنات هناك مختلفات انهن أكثر رقة واكثر جمالا وملبسهن نظيف ..   ويرتدين قلائد وأساورمن ذهب حقيقي وأحاديثهن لاتكاد تسمعها حتى لو وقفت على بعد ياردة منهن ، وهن واثقات من انفسهن لهذا تجد  لديهن تطلعات واحلام ، عباس قلت لأمي انهم قبلوني في الاذاعة أتدري ماذا قالت لي بعد ان لطمتني على خدي << بربوك انت متدرين .. حتى العصفور اللي يوكر علسطح مال الاداعة فاسد >>

 بكت امامي.. كانت ترتدي ثوب أصفر وتنورة سوداء مقلمة بالاصفر الفاقع ومرة أخرى لم يتبلل ثوبها بالدموع .. رحت أنظر الى عينيها المبللتين..كانتا مضيئتان لامعتان ،وكنت حين اغوص فيهما اتيه في بحار لا فنار فيها واحس نفسي أعوم في مياه مجنونة :-

- عباس أنا أحبك صدقني .. لكن ...آه                                                

كنت أعرف انها تحبني ضمن عوالم تحبها وربما وجدتني الوحيد الذي كان على نياته وموظف جديد يحب عمله .. وحين يمتد اخلاصه الى محلته وسكانها الطيبون ترفضني رفضا قاطعا :-  

 - انظر الى العالم ياعباس ..أنهم يعيشون يومهم بسعادة ورجالهم يتسمون بالرقة ولايتجشأون في وجهك ولا يتمخطون في الدرابين ولا يتبولون على الحيطان ولايترنحون في الليل ولايتقيؤن على ابواب الدكاكين ..ورجالهم لايشتمون دون حياء ولايتشاجرون بالقامات والسكاكين ومدنهم لاتوجد فيها مطاعم رخيصة يبيعونك فيها كبة محشية بالمصارين.. ذهبت عينيها تجولان هنا وهناك ويشع منهما ذلك اللمعان الآسر.. لكنهما هذه المرة كانتا تلمعان اسى وحزنا وهي تضيف متوسلة                   

 - عباس انقذني من هذه المأساة اخرجني من هذه الدرابين التي تغص بمئات الاطفال الذين يتغوطون على دكات بيوتهم ،وصراخهم وهم يلعبون يمزق اذني وذكرياتهم الملعونة اينما وليت بعيني اراها مكتوبة بالطباشير الذي يسرقونه من المدرسة <<ذكرى قدوري وسعاد >> والكبار يكتبون <<حمار ابن حمار الذي يبول هنا>> .                                           

  ذهبت لأداء خدمتي العسكرية والتي دامت سنتين بينما عملت صبيحة في احد مراكز الشباب وفي يوم تسريحي من الجيش رايتها وبرأس يعاني من دوخة بسيطة أخبرتني انها وضعت قدميها على أول السلم ..أنها الان تلتقي بشباب يغسلون اسنانهم ثلاث مرات في اليوم ويدخنون سكائر بفلتر ولديهم سيارات خاصة نظيفة ومغسولة ، ضجرت منها ومن نفسي وفي زمن < أبو طبر > سافرت .. او هربت.. لاادري لكني عقدت العزم على ان لاأعود أبدا وبعد سنتين أشتقت اليها ولم أعد اشعر بعباس الا وصبيحة بقربه.. فعدت مسرعا كأني الهث من الجري .. كانت قد اصبحت طويلة القامة وبشعر طويل ناعم وجسد يمتليء بالحياة والحيوية والطموح وبرأس يضج بالاحلام ...وفجأة إستدعوني الى خدمة الاحتياط ..ومن ايطاليا مباشرة الى حلبجة والى فوج المغاوير والنهوض في الرابعة صباحا ونحن نهرول بالفانيلة واللباس والبرد يضرب عظامنا وصوت العريف مريود يلاحقنا وهو يصيح ممزقا حنجرته <من انتم ؟ > وخمسمائة حنجرة تنطلق مرة واحدة < وحوش > ويصيح مرة اخرى < وماذا تأكلون ؟ > وتنطلق الحناجرممزقة الظلام < جريدية وعكارك > وصيحات اخرى  < وين تولي ياسادات واحدنة يعادل دبابة > والكثير ممن كانوا لايعرفون السادات ولا صديقة الملاية .. كان شيء أشبه بالكابوس ، وحين تسرحت عدت الى وظيفتي في البدالة الكائنة في علاوي الحلة .. ثم جاء إسترا قي السمع على مكالمة السيد العام فالتحقيق ثم السجن ،مرة واحدة زارتني صبيحة كانت متبرجة وبشكل جنوني وكانت ترتدي قلادة واساور واقراط من ذهب خالص عيارواحد وعشرون وسمعت انها راحت تركب تلك السيارات النظيفة وانها تخلصت من محلة الدهانة وصبابيغ ألآل.. وانها الان تسكر وتدخن وتغني وتعرف كيف تهز جسدها وحين خرجت من السجن اللعين تزوجت من امراءة اكتشفت فيما بعد انها عاهرة بعباءة سوداء وعلى حين غيرمتوقع استدعيت مرة ثالثة للخدمة العسكرية ، احسست بأني منذور للجيش وكأني خلقت له .. وبعد ثمان سنوات من الخدمة والجروح ومراجعة مستشفى الرشيد العسكري والتحاقي بالخدمة وقعت في الأسر ولم اخرج من اقفاص الأسر الا بعد أربعة عشر من السنين العجاف حقا ..وحين عدت وجدت صبيحة وقد عادت الى الدهانة ودرابينها وقد فقدت بريق عينيها وأنطفأ ذلك الالق الرائع منهما ،وترهل جسمها واصبحت بدينة تجر جسدها جرا ..وعادت غير راغبة في الحياة وراحت تركب باص مصلحة النقل العام ولا تنفك تساعد محمد الجابي بأصغر نقد كافي .. أنا أيضا بعد مقتلها لم أعد راغبا في الحياة فقد ترهلت روحي وشاخت وصرت أحس بالجرب وانا انظر الى باب المعظم وساحة التحرير وساحة الطيران والنفايات المنتشرة هنا وهناك والخراب الذي حل في في كل مكان والحرب المنتشرة في الشوارع وخلف الابواب والشبابيك.. واخيرا جلس عندي يقين ان احساسي بالجرب والموت يتوقف على شفاء مدينتي من أمراضها .. وتناحرها وصراعها وفتنها ..وموت ابنائها الذي كانت تقول عنه امي ر ضية حمودي جواد                        

- <عباس هذا مو موت الله >                            

  حين تعود الروح الى مدينتي  ..ستعود الى جثتي روحي ايضا  لتعينني على الحياة .. والتأمل .. والحلم .. والبحث من جديد عن صبيحة

 ....أحبها لأهب من اجلها ... البقية من عمري


عن محرر المقال

ليلى احمد

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية