قراءة في نص "تحطيم" للقاص صادق مجر بقلم الناقد والقاص أسامة حواتمة
التفكير خارج الصندوق هي إحدى طرق التفكير الإبداعية التي ينهض بها الأفراد أنفسهم ومجتمعهم وحتى دولهم، في العديد من المجالات التي تقدم الجديد المبتكر من الحلول لمعاضل تقف عائقا أمام التقدم والتطور الإنساني، والدول التي تشجع على التفكير خارج الصندوق هي بالتأكيد دول متقدمة ومتطورة ولها مكانة ذات ثقل بين الأمم وشعوب العالم، ويُحسب لها حسابات مهمة جدا ومكلفة سياسيا واقتصاديا وعسكريا إذا ما أرادت دول أخرى وكيانات وجماعات النيل منها أو التهديد لمصالحها وأمنها الاجتماعي والإقليمي.
وبين ظهرانينا اليوم هناك العديد من النماذج لتلك الدول التي تعتمد التفكير خارج الصندوق (التفكير الإبداعي) منهجا تحث أفرادها عليه وتحفزه إبتداء من المدارس ثم إلى مراكز سلطاتها المشرعة والمنفذة وحتى سدة الحكم فيها، مثل الصين، وماليزيا وتركيا إضافة للدول المتقدمة...
وباختصار فإن الدول المتأخرة عن هذا الركب هي دول تابعة لا قيمة لها إلا كقيمة الخرفان بلحمها تحت سكاكين الجزارين، فتراها ترفض وتقيد أي محاولة لمجرد النظر خارج صندوقها بل بالعكس هي التي تبني جدران هذه الصناديق حول الأدمغة بقيود خانقة، ويتهمون من يعاند ويقفز فوق تلك الجدران بجريمة الخروج عن السرب، سرب التبعية والانقياد، سرب الفرعنة القائم على اللامبدأ: لا أريكم إلا ما أرى. وبهذا اللامنهج تصبح الشعوب والدول في أذناب مؤخرة الأمم. عودة إلى النص:
(ﺗﺤﻄﻴﻢ
ﺃﺣﺎﻃﻮﻧﻲ ﻣﻨﺬ ﻭﻻﺩﺗﻲ ﺑﺠﺪﺭﺍﻧﻬﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻭﻫﻤﻮﻧﻲ : ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﻧﻮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻛﻮﺓ ﻋﻘﻠﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺗﻔﺎﺡ ﻳﺤﺮﻡ ﺃﻛﻠﻪ .
ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺍﺳﺘﻌﺬﺑﺖ ﻣﺬﺍﻗﻬﺎ .
ﻛﻠﻤﺎ ﺃﻋﺪﺕ ﺍﻟﻜﺮﺓ، ﺍﻧﻬﺪﻡ ﺟﺪﺍﺭ ﻭﺳﻘﻂ ﻣﻘﺪﺱ .)
يصور النص ثيمة الخروج من الصندوق بسرد قصصي لرمزيات مختلفة:
فرمزية "التفاحة المحرمة" مقابل المعلومة المحرمة، ورمزية "الولادة بين جدرانهم" مقابل غسيل الأدمغة الممنهج للعقول، ورمزية "الخروج أثناء غفلتهم لتذوق التفاح المحرم" مقابل الصحوة والمقاومة للنهوض، ورمزية "انهدام جدار و سقوط مقدس" مقابل تحقق المراد بالخروج من الصندوق وتحقق الوعي فتنهدم الجدران ويهوي وهم التقديس بنور العلم ليجثم الوهم اللعين اللامقدس، ليبزغ عنوان النص "تحطيم" بصورة تبين أن الضحية الناهض من الحطام ستُجبر كسوره يوما ليعود أقوى ويحطم بناء الجدر المزيفة في كل محاولة للخروج من صندوق.
"تحطيم" قصة قصيرة جدا مكتملة العناصر والشروط بسردها الوجيز ومشهديتها المعبرة بدقة ودلالاتها الرمزية.
وأخيرا لا بد من التنويه لإعادة صياغة النص بما لا ينقص من قصصيته ولا يخل بثيمته بعد تصويب علامات الترقيم وتكثيفه بهذا الشكل:
ﺗﺤﻄﻴﻢ
ﺃﺣﺎﻃﻮﻧﻲ ﻣﻨﺬ ﻭﻻﺩﺗﻲ ﺑﺠﺪﺭﺍﻧﻬﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻭﻫﻤﻮﻧﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﻧﻮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻛﻮﺓ ﻋﻘﻠﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺗﻔﺎﺡ مُحَرَّم، ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻛﻠﻤﺎ ﺃﻋﺪﺕ ﺍﻟﻜﺮﺓ؛ ﺍﻧﻬﺪﻡ ﺟﺪﺍﺭ ﻭﺳﻘﻂ ﻣﻘﺪﺱ.
أسامة حواتمة