-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

واجب .. أحمد اسماعيل / سورية

واجب

أحمد اسماعيل  / سورية



المتجر الفاخر مكتظ بالقيل و القال، 
و الأدلة المخفية تبحث عن الشرطة التي أرهقتها جرائم السرقة في الآونة الأخيرة، 
خفة اليد سلاح لا يحتاج إلى الرصاص، سلاح يقتل بسكتة الإفلاس، و استهزاء نبهان يمر من بين الجموع و هو يطبطب على أكتاف سرر الجشع التي تختزن السلع و تحتكرها لتبيعها بأضعاف بذريعة رمضان كريم. 
لم تكن عينا نبهان لتقف مكتوفة  و الدهشة تبحلق بتيسير أخطبوطات الدولة للسلع الأساسية في المتاجر العائدة لأذرعها فقط.
الفكرة تحصد أخطبوطا كل يوم...
أما نبهان فالخواء يصفق له كل مساء بعد أن يعود من سباق الماراتون الذي يأخذ من خلاله وسام الابتسامة الأول كلما أسرع هاربا من أمام الأبواب التي يضع على عتبتها كرتونة مليئة بالفرحة،
تلك الأبواب الشبه مخلوعة لا تجد ما يسندها  عندما تهب نسائم الجوع.
نبهان لم ينم من تأنيب الضمير ليلتين....
هناك أماكن ليس لها أبواب تطل عليها الشمس، و لم تسعفه سرعته من طرقها....
الصباح يحمل همته إلى بحر شديد الملوحة، و الأخطبوط الذي يريد اصطياده ذو سرة تعتلي كرشا منفوخا من غاز الأعصاب المتدفق من عضلات الفقراء.
السيجارة المشتعلة بين إصبعيه تمهله لتنفيذ المهمة لحظات قليلة..... هاهي الآن  مجرد رماد.
يدخل من البوابة ويطلق غمزة مع ابتسامة عريضة للحارس، فالطقم الفاخر الذي يرتديه مع الكمامة و القفازات يحصدون كل أنواع الشكر، حتى من مدير قسم المخازن و التموين المعقد من  تفشي الكورونا، التزامه مريح و لا يثير الشبهات...
وحتى يكسب نبهان الوقت أشعل  هوس المدير بإغراءات العقد، وضع أبو كرشة الأوراق بعد أن جهزها على الطاولة، 
أوراق عقود الصفقة انتشت بإمضاء حبر  قلم نبهان المليء بمخدر قوي، 
و أغرت أبو كرشة بمداعبة توقيع نبهان بسبابته، لم يصبر لسانه أيضا.... فراح يلعق سبابته وإبهامه  بعد أن سال لعابه بشدة. 
نبهان ينظر هازا رأسه ثم يفرغ خزنة النقود حتى يشبع حقيبته من بكاء الخزنة.
الحارس يودعه مع دعوات لا تنتهي لخطواته المغادرة المكان، فالإكرامية التي وضعها في جيبه كانت دافئة جدا و كفيلة أن تمسح هم اقتراب العيد و كسوة أطفاله.
يسرع نبهان خالعا قناعه لتسوقه قدماه كقطار لا تتعبه كثرة المحطات...كم هو مريح توزيع النقود بدل المؤونة، يترك الحرية للبؤساء في اقتناء لوازمهم.
حتى الشرطة لم تسلم من شره الذي يوزعه فهم لايقدرون على عمل إضافي.
العاملون في المخفر يتهامسون فيما بينهم عن المبالغ التي أتتهم من السماء، و الضابط المسؤول عن الجريمة يتجول مع حيرته بين ضحكاتهم، فيطلب من الله أن يؤتيه مما آتاهم...
لكن فضول التحري ينكزه ليتفحص النقود المغرية بفتنتها...
فيقارنها بأرقام النقود المسروقة ليجد بها ضالته.
فيسأل: من الذي قدم لكم المساعدة؟
و في أي حي يهطل هذا الخير؟
يجيب أحد العناصر: في حينا وجدناه عند الباب، في ظرف لانعرف كيف أحبنا و أحس بغصتنا.
الحقائق التي توصل إليها تحلق به إلى الجنون.
يتوجه إلى زاوية سوق الحي بثياب ممزقة تشكو من الشحوب و الضيق و العجز من فقدان إحدى قدميه يعصر الألم داخله كلما مر  أحد و لم ينظر إليه بكسرة خبز.
من بعيد يتأمل نبهان الوجه الذي يراه لأول مرة....
علبتان من السجائر انتهت و هو مصلوب من قطعة التفاح المرمية التي حاول الرجل الوصول إليها بوقوع أكره الدموع على الخروج حين تخلت العكازة الحقيرة عن اسناده،
زحف بوضعية الجلوس ببطء السلحفاة ليقترب إلى ركن تلتقطه منه كل كاميرات المارة المستهترة، و أخذ يقبل التفاحة ناظرا  إلى السماء، و أسنانه تنهش من الذبول الذي يعتريها.
في المساء حمل الرجل بعضه ماضيا نحو الفران ليشتري خبزا بائتا بسعر أرخص...
يحتضن قطعة الخبز بعد أن يملأ صدره من شم رائحة غدر الحياة.
يمسك نبهان من ذراعه الحالمة حتى يتأكد من إيصاله للخيمة التي تستره مع عائلته واضعا في جيبه الكثير من طيبته، وقبل أن تصل روحه المتعبة إلى كأس الشاي؛  كانت الشرطة تحاصر الخيمة التي وقف على بابها المخلوع الضابط و قدمه الصناعية تلبسه الفخر على قدم فقدها أثناء تأدية الواجب.

بقلمي   

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية