-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

التيه الأول..مصطفى جمعة_ليبيا

 التيه الأول***

كنت أركض نحو الأشجار مشدوداً إلى ألوان الزهور الساطعة تحت زرقة السماء والسحاب الأبيض المغناج، لم أفكر كيف سأعود ، كانت لحظةً أحسست فيها أنني أملك العالم وكل الإتجاهات، ركضت كثيراً كنت أريد أن تتشبع روحي بكل هذا الإنسياب الجميل، وذلك العناق الهادئ الذي كان يأخذني أبعد فأبعد ومع كل شهقة كنت أملأ رئتي بأعذب هواءٍ يتخلل مسام جسدى، فتتفتّح كأثيرٍ شفاف خلتُ أني أستطيع أن أمر من خلال السدود، وأن أطير فوق الوهاد .حتى كلَّ جسدى الصغير، فاستلقيت على العشب الوثير ملقياً بصري إلى السماء . لحظاتٌ أغمضت فيها عيني مرّت سريعاً، وحلمتُ بفراشاتٍ تظللني بأجنحتها، وأشجار تنحني فوقي برفق، وتهمس إليّ بحفيفٍ خافت، وأصوات تناديني من بعيد .. وكان صدى اسمى يتردد من حولى، وبخلدي أن الطيور تناديني، لكن الصوت بدأ يخفت رويداً رويداً حتى اختفي وأحاطنى صمت مطبق أفزع روحي فاستيقظت مشدوها، ولم أدر للحظةٍ أين أنا ، الظلام بدأت تزداد كثافته بعد أن ولّى النهار ، وكان الهدوء ثقيلاً حتى أني أشعر بكثافته تطبق على الفراغ من حولي، ولم يكن هناك طريق، وبدأت عضّة القلق تنهش أحشائي، الوحدة والسكون والخوف، شعور باغتراب عميق يتحول تدريجياً إلى وحشة ثم تتحول الوحشةُ إلى فزعٍ بطىء يتسلل عبر حواسي المتنبهة لكل شيء، المبالِغة في التصور والخيال والإدراك ،أنفاسي تتسارع مع تسارع خطواتي التي لا أعرف أين أتجه بها، أبحث عن ضوء .. عن صوت .. أصيخ السمع، لعلى أسمع صوت نداء ..ذلك النداء الذي حلمت به، لاشيء سوى سكونٍ عميق وازديادٌ تدريجي لكثافة العتمة يلاحقني ويتابعنى حيث اتجهت، ثم تسارعَت خطواتي كأنها تسابق دقات قلبي، طعم الدموع المالحة تسرّب عبر شفتى، أتوقف ثم أغير اتجاهى، بوصلتي الاْمل حينا والخوف حينا ، غير أنها لا تهديني إلى سبيل .
كيف فقدت السماء زرقتها؟ وكيف أصبحت المسافات موحشة؟ وكيف يتربص الخوف وراء اللامرئي .. الظلمة... تلك العتبة التى تفضى إلى المجهول، الشعور الأول بالتيه، بالغربة عن العالم، صدمة الإدراك الأول أن الجمال يمكن أن يستدرج الروح إلى الظلام .. أن الاطمئنان مؤقت وكاذب وأن كل شيء له وجهان..ثلاثة .. أربعة.وجوه كثيرة للحياة تتغير بلا موعد ودون إنذار .. كان ذلك شعور التيه الأول..لكن الغريب أنه لم يغادرني ..لم تتراخى قبضته على روحي ..والحقيقة التي أعيشها كل تلك السنين ..كل ذلك العمر ..كل تلك الحياة أننى مازلت تائها أبحث عن من يبحث عني ..أنصت عبر فراغ روحي إلى تلك الأصوات التي كانت تهتف باسمي..أسير مطرقا وروحى تلتفت بنفس ذلك الفزع الأول ..من يناديني..؟. أو يسمع ندائي..
مصطفى جمعة_ليبيا





عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية