-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة نقدية .... هادي المياح .. العراقي ، وماسح زجاج السيارات !

 قراءة نقدية

هادي المياح .. العراقي ، وماسح زجاج السيارات !

بقلم - الناقد سيد جمعة . مصر





يلتقط القاص حدثاً بسيطاً لصياغة قصةٍ قصيرة .
الحدث ، سائق وصاحب سيارة في إحدي التقاطعات المرورية ومن بين عشرات الصبية الذين ينتشر فيها هؤلاء الصبية الذين يحملون في ايديهم ادوات مسح وتلميع زجاج السيارات التي يصادف وقوفها في هذه التقاطعات بحثا عن رزق سريع ، يحتاج إلي بعضاً من الفهلوة والشطارة واشياء اخري تعلموها علي مسرح هذه التقاطعات ، صاحب السيارة يري صبياً محددا ( ربما في خياله )، غيركل الصبية ، يراه وكأنه يتحرش به وبسيارته ويقصدهما بالذات

في كل مرة يصادف ان يمر بهذا التقاطع أو حتي غيره ، صبي غير عادي ما أن يلمحه أو يلمح سيارتهِ حتي يقفز إلي مقدمة السيارة ويبدأ عمله رغم ان الزجاج في كثير من الأحيان لا يحتاج لنظافة لإهتمام صاحب السيارة بنظافته ( عناداً ) لهذا الصبي اللئيم والخبيث والعنيد و … و … ،

لكن الصبي إعتاد ذلك فلا يكترث لا بنظافة الزجاج ولا بمشاعر صاحب السيارة وافعاله المتوقعة ، فيمضي بلا مبالاة إلي عمله في تحد واضح وقوي وصريح ، الأمر الذي يزيد من غضب صاحب السيارة ، فيحاول في عودته تغيير مساره إلي شارع اخر ، لكن فجأءة يبرز له كرأس الشيطان هذا الصبي بعد أن لمحه ، وقفز وحاور كل السيارات ليصل إليه وإلي مقدمة سيارتهِ وزجاجِها ، وهنا بلغ الغضبُ مبلغهِ من صاحب السيارة ، وهّم بالنزول ، بل نزل منها والشرر والغضب يملؤهُ ، وهّم برفع يده لضربهِ وإقصاءهِ بعيداً عن السيارة كوسيلة ردع ودرساً لهذا العنيد ، لكن فجأءة تجئ من الخلف سيارة اخري فتصدم السيارة ، فيعود إلي داخل سيارته ، وهنا ( يكون الحدث الأكبر للقصة ) ، هنا يلمح في دلاية تتدلي من مرآة السيارة فيها صورة له ، في هذه اللحظة يري ذلك التشابه التام بين ملامحه في الصورة وبين ملامح الصبي ( العنيد) ، فيتغير كل شئ فيه ، ويزول غضبه ويعتريهِ ندمٍ في صورة تساؤل أيضربُ صبياً كان مثله ( عنيداً ) يوما ما ، بغض النظر عن عدم تشابه المواقف

*****
ونقف هنا عند هذه اللقطة المشاكسة مع تداعياتها السردية المُعتني بها سياقاً وسرداً ادبياُ راقياً حرص كاتبنا القدير / هادي المياح من خلال تضمين الحدث إِنفعالاتٍ متشابهة ” العناد ” المتبادل بين الصبي ماسح الزجاج وصاحب السيارة وبصورة دعهما الكاتب بأكثر من صورة لكن في غير تكرار ممل ليبني علي من هذه التكرارية درجاً للصعود إلي الحدث التالي أو الحدث الأخير .


هذه ( الحالة ) السلوكية التي سكنت صاحب السيارة منذ ان كان بالعاشرة من عمره ولم تفارقه حتي الأن ، وجدها صاحب السيارة في صبي ، اي صبي ، ولكن هنا يحدث شئ من التطابق وليس التشابه ، بين السلوك القابع القديم ، وبين السلوك القائم والمتحرك والحديث ، سلوك العناد ، وعدم الإكتراث بالأخرين واللامبالاة بأي مشاعر أو ردود افعالاً مهما كانت لتحقيق هدف ما ، ورغية ما
نأتي هنا بهذه الفقرات الحوارية القصيرة تدليلاً علي ما ذهبنا إليه :
___
” . يرش بالماء على أقرب سيارة منه ومن دون استئذان.
” ولم الاستئذان؟ ”
في كل مرة يسأل نفسه هذا السؤال، وكلما خطر له طلب الإذن من صاحب السيارة، وهو نادراً ما يفكر بذلك. فقد كان همه الحصول على النقود ، بأية طريقة كانت ، حتى لو كانت بالاستجداء .
___
” فهو إذن عنيدٌ ومزعجٌ ويطلب النقود !
وماذا بعد؟ ثمة ما يخبئه هذا الصبي بداخله من أشياء!
__
” مالذي جاء به الى هنا؟ من ارسله لي؟ أسئلة خطرت لي في الحال، لكنني تجاهلتها. ورحت أراقب السير وأنا أكظم غيظي ..!
“ياله من صبي مشاكس”
__
” ، تراءت لي صورتي المعلقة بالمرآة، فتوقفت لحظة وقلت لنفسي:
– ليس انت من يفعل هذا!؟ هل تضرب صبياً كادحاً لا يتجاوز العاشرة ؟
وأطرقت قليلا الى الارض، وكتمت ما انبعث بداخلي من عواطف أخرى مختلفة ، قبل ان تنفجر.
ويختم القاص الحدث والقصة كلها بهذا المشهد الفجائي في تسلسل الحدث وتوقع نهايته ، لنري عمق هذا الإسقاط للمخزون النفسي لدي صاحب السيارة الذي جسده أورآه مجسدا في صبي في احد التقاطعات المرورية كأنما يرد إلينا لنعيّ ان بعضا من سلوكياتنا متجسد فعلاً في أشخاص يتحركون بيننا فلا ندهش لأنهم بعضا من سلوكياتنا وافعالنا عندما كنا صغارا او حتي ونحن كباراً .
وهذا هو المشهد والنهاية الأخيرة للحدث كما صاغه كاتبنا القدير .
____
” ثم استدرت وارتقيت الى مقعدي ، فاقترب مني وكانت على وجهه ابتسامة بدت لي بريئة جداً، بريئة الى حد أزاحت كل ما تبقى من تضاريس غضبي.. واحسستُ بالتشابه الكبير ما بيني وبينه من خلال صورتي المعلقة امامي. وحتى ابتسامته، كانت لا تختلف كثيراً عن ابتسامتي، سوى انها كانت شاحبة ، وفاترة بعض الشيء ” .
لقد تضمن المشهد الأخير شعورأ بشرياّ مُتأصلُ فينا ، آ لا وهو الرضي ، والميل التعاطفيّ لبعض سلوكياتنا التي قد نرّفُضها أو لا نقرُها كطبيعة بشرية فينا عاشت يوما فيِنّا وعشنا بها زمناً ، وذلك عندما تقاعس عن ضرب الصبي ، وهدأ غضبه حتي تلاشي . !

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية