الرُّؤيا حقيقية
نبراس الطالقاني
في عالمِ الرُّؤيا
طُوِيتِ الأرضُ لي، كما يطوي الليلُ بسوادِه بياضَ النهارِ،
فرأيتُه شاخصًا كما الأهرامِ المنحوتةِ
متجلدًا
صلدًا ،
حتى النيلُ استوحشَ مسارُه، ولم يفضْ بشريانهِ القاحلِ..
فأتيتهُ..
لأعطيَهُ رشفةً من حبي لأغذّي شريانَهُ الأبهرَ
فنفضتُ الترابَ عن زجاجةِ عينيهِ كي تبصرَ النورَ
ولأخلعَ ستائرَه المعلقةَ على حافةِ الدُّجى،
وأنا واقفةٌ على سلالمِ الأملِ لأدقَّ بابَ اللهِ ..
تركتُ عندَهُ ركعةَ الوترِ وتسابيحَ الشفقِ وطلبتُ راجيةً أن يمنحَه الفرحُ المدببُ..
فكانتِ استجابةً مثمرةً كوميضِ البرقِ ..
فاخضرَّ زرعُه وأينعتْ جذورُه
وقال لي: أخيطي لي فتقَ قميصي واخلعي الأزرار وأنبتي بأبرتك فضاءَكِ حتى يتشتتَ حُزني ويختلطَ بالسَّنا..
خُذي قميصي وأخيطي بطريقةٍ مستقيمةٍ لا مثل طرقِ القطاراتِ، ففيها محطاتٌ لا أرومُ الوقوف بِها،
لا أريدُ أن نطيلَ اللقاءَ في سماءِ الآخرينَ..
أخيطي قميصي المفتوقَ
فقد تسرّبَ منه كلُّ أحبابي وقلبي
فضاقتِ الأضلاعُ في هذهِ الحياةِ المربكةِ، وغدتْ حروفي عِجافًا حتى اضمحلَّتْ وتناثرتْ مع هُبوبِ الرياحِ ..
أخيطي قميصي...
كما تُخيطي جروحي وتسكنينَها بحروفِكِ
فأريتُ بقصيدتكِ الرحبَ والسعةَ
ولملمي صورتي التي انتثرتْ في الدهاليزِ المهجورةِ داخلَ روحي..
أخيطِي قميصي..
حتى أصدحَ في مجالسِ العابرينَ وأكونَ لكِ قصائدَ وأغانيَ بروحِ بساطتي..
وفي كلِّ ركنٍ ورُكنٍ سأكونُ سراجَكَ الوهاجَ..
يا زهرةَ التاريخِ العابقةَ
كوني كما كنتِ لي أحجيةً ناطقةً
لتروي فراتَكِ كما رويتِ النيلَ في جسدي
بينبوعَ نثرِكِ وإشراقَةَ أبياتِكِ الصادقةِ..
وأنا أخيطُ قميصَهُ المنهمرَ منه عشقهِ الأبديِّ، وضعتُ ضمادَ الصبرِ،
وعلقتُ على جيوبهِ أغنيةَ الفجرِ ...