لقاء عابر
نورهان وائل / الجزائر
هو
بعد نهاية دوامي المسائي و غلق المحل الذي كان قبل سويعات يعج بالمشترين و الزبائن اسدلنا ستائر و غادر الكل الى بيته يلتمس دفء و الحنان .
فديسمبر اعلن قدومه بأمطار غزيرة و برد يلذع الوجوه فيجعلها تتشقق وكأنها جذوع أشجار قديمة أو حائط صنع من الطوب الأحمر تشقق بفعل الرطوبة .
باتت الشوارع خاوية على عروشها و اعلنت المداخن انطلاق أدخنتها نحو عنان السماء .
من شدة البرد ترى ما بقي من المارة نساء ورجالا يرتدون معاطفا سميكة ويلفون على رقبتهم شيلانا يطلبون دفءً أكثر .
دخلت للمقهى وجلست على الطاولة المقابلة للنافذة حيث تداعب قطرات المطر زجاج النافذة فتتجمع قطرة قطرة حتى تكبر وتهوي نحو الأسفل متسارعة .
كان المقهى شبه فارغ ، فالطاولات كانت تداعبها نسمات السكون التي يخترقها صوت صرير الريح المار من بين شق كان في الباب ربما أحدثه الصقيع .
رغم الصمت الذي كان يسود المكان الا أني كنت اشعر بضجيج و ضيق في التنفس وكأني في علبة صغيرة محكمة الاغلاق .
طلبت من النادلة كوب ماء و فنجان قهوة ايطالية .
لبت طلبي والابتسامة تعلو شفتيها ، لم تكن كباقي النادلات فمن طريق كلامها وتصرفها تعلم أنها متعلمة وربما تملك شهادة لو اتيحت لها فرصة عمل لكانت في منصب غير هذا ..
لكن هذه هي الحياة تتفنن في تعذيبك و اذلالك .
احضرت طلبي وغادرت .
كان فنجان القهوة تتصاعد من قلبه الأبخرة والرائحة الشهية التي تبعث في الأوصال الدفء. احتضنته بكلتا راحتيّ لمساً للدفء و الانتعاش .لا اعلم لما أشعر أن لي قصص عشق مع روائح القهوة .
عدلت كوفيتي التي كانت تلف رقبتي و بدأت أرتشف قهوتي و اشعلت سيجارتي التي كانت تداعب شفتي وتغريهم .. كنت أشبه بقطار بخاري .
شردت في هذا الصمت قاطع حبل افكار صوت عطست انثوية .
كانت فتاة في الثلاثين من عمرها تقريبا بقامة ممشوقة و شعر منسدل حريري كشلال قهوة
اتخذت من الطاولة المقابلة لي ملجئ من الجو البارد في الخارج
عدلت خصلات شعرها التي هربت لتداعب وجنتيها .طلبت من النادلة كوب شكولاتة ساخن علها تتدفأ فالمطر بللها قليلا
كنت اريد ان اذهب اليها وحضنها لأدفييها و اغطيها بكوفيتي
بقيت شاردا في حلمي
وما اعادني لرشدي وميض البرق .وقفت من مكاني واتجهت نحوها لكنها اشاحت نظرها عني فخاب ظني فخرجت من المقهى اجر خفي حنين
شددت قبضتي وكنت ارغب بالصراخ لكني ابتلعت غضبي وجعلته ابتسامة زائفة كنت دائما اتقن اصطناعها
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
هي
أنهيت مهامي في ورشتي الصغيرة ، ارتديتُ معطفي، و لففتُ شالي على رقبتي ، حررت شعري من ربطته أمام المرآة وودعت صديقاتي . وانطلقت نحو بيتي
كان الشتاء يكشر عن أنيابه، و يستعرض قوته في الشوارع فكان يداعب شعري تارة و يصفع وجهي بلفحاته
دغدغت البرودة اوردتي و احمر انفي .
كنت انتظر الحافلة وسط زخات المطر لكنها لم تصل بعد وبدأت ملابس تبتل فرأيت على مرمى عيني مقهى ، اتجهت نحوه لأختبئ حتى تصل الحافلة .دخلت و خلعت معطفي وعلقته في المكان المخصص لمعاطف الزبائن واخترت الطاولة التي تطلّ على الشارع أيضاً من خلال زجاج الواجهة .والمقابلة للموقف .
طلبت كوب شكولاتة ساخن عله يطرد هذا الشبح الذي تلبسني فأصبحت ارجف من شدة برودته .
وكان يقابلني رجل لم يتعدى الاربعين يغزو بعض الشيب شعره وهذا ما زاده وسامة يلف كوفية وكأنه احد القادة من عصر شيغفارا
كنت استرق النظر له إلى أن وقع نظري مع نظره فتلبكت كثيرا و توردت وجنتاي .
وقف من مكانه واتجه نحو ، بدأ قلبي يدق بسرعة
لكنه لم ينطق ببنت شفى ومضى
خرجت وراءه لا اعلم لما ولا اعلم السبب وراء الحزن الذي رأيته في عينيه .لم المحه في أي مكان وكأنه تبخر في الهواء
طأطأت رأسي والخيبة اكتسحت روحي .
عدت ادراجي للموقف وركبت الحافلة لكن عيناه لم تغادرا ذاكرتي
ابتسمت وقلت بيني وبين نفسي ..ربما سأعود والتقي به ذات يوم .ومضيت نحو وجهتي ....
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
هو
تبعتها في صمت ولم تلحظ هذا ، عرفت أين تسكن
وعدت لبيتي وقررت أن افاجئها غدا .
في الصباح وجدتني امامها خطف لون وجهها وكأنها رأت شبحا ؛ القيت عليها السلام وعرفتها عن نفسي و قمت بدعوتها لتناول الغداء معي ..
تعرفت عليها وتعلق قلبي بها وبدأت ارسم احلاما هي الرؤيا فيه وبينت قصورا هي ملكتها .
☆☆☆☆
هي
عقدت الدهشة لساني ..كيف عرف اين أسكن ؟ ومن أخبره عني ؟؟
دعاني للغداء قبلت دعوته
تعرفنا على بعض أكثر
فكان قلبي يرقص فرحا و روحي تطوف في الأحلام
هذا هو شريك حياتي الذي لطالما حلمت به
مضى الوقت بنا وحددنا موعدا أخر للقاء ....
هكذا تعرفت بزوجي أيمن بالصدفة في المقهى المنسي بين ذكريات الأحياء