لأول مرة أراه على هذه الصورة المخيفة !!
طلب مني قبل أن يودي بنفسه ألا أتركها ، أن أرافقها أينما كانت ، حاولت منعه ، لكن إصراره ألجمني ، لم أتوقع أن يقدم على مافعله ، بفعلته هذه فك رباطنا الأبدي ، مرَّ الوقت ثقيلاً وأنا أراقب جثته ، عيناه شاخصتان ، الزبد يغطي فمه ، يده قابضة بشدة على صورتها.
صدمتي كانت قوية ، تبعثرت ذراتي حوله ، اقتربت منه ،همست له:
- هي لاتستحق مافعلته بنفسك لأجلها!
وضعت يدي على قلبه صحت فيه:
- سنة مضت وأنت تذرف الدموع ، كم أرهقتني بعذاباتك الطويلة ، كم أمعنت في تعذيبي بهذا الحزن ، تجبَّرتْ على آلامك ، لم تقتنع أن قلبها أشد سواداً من حجارة "شهبا " كلها .
لم فعلت ذلك بنفسك ؟!
احتملت خبر زواجها به ، ولم تحتمل خبر موعد ولادتها ، هي الأن في المشفى ستضع له طفلاً وانت هنا مسجى بلا حراك. .
تعالت الصيحات خارج الغرفة ، صوت أمه تطلب من أبيه أن يكسر الباب خائفة و قد حدست أنه آذى نفسه ، طرقات ودفع شديد للباب ، ثوانٍ وسيصدم أهله بماسيجدونه ، لذلك علي المغادرة سريعاً ، سئمت منه ومنهم ، لملمت ذراتي وهمست له :
- لن أتركها !
غادرت سريعاً ، أهيم على وجهي ، جلت " شهبا "كلها ، رأيتهم وهم يغزلون أوشحة الحزن ، استعداداً للحداد عليه، ضقت ذرعاً بكل شيء .
يممت وجهي حيث كانت ، غافلت الطبيب المنهمك بفتح بطنها بمشرطه ، وما أن تسنى لي ذلك حتى انسللت في الجسد الطريّ ، كان جسدا لدناً و ستحلو لي الإقامة فيه ، وماهي إلا دقيقة ، حتى أمسك الطبيب الجسد اللدن بين يديه وناوله لمساعدته، قبضت عليه من رجليه وقلبته وهي تضرب باليد الأخرى على ظهره في محاولة لدفعه للبكاء.
عيناه كانتا مفتوحتين تبحثان عنها ؛ و ما إن وقعتا على وجهها الملائكي القابع تحت تأثير المخدر حتى أتممتُ انسلالي في الجسد الصغير و صرختُ أعلن لهم ولادة حياة جديدة.