"أزلام"
السابعة إلا عشر دقائق... قبل ذلك بكثير وأنا أتسمَّر بالبيت،أترقب صفير الشحرور وأرتجف، أهُم بمغادرة حصن بيتنا المتهالك ،أعدّل بإحكام محفظتي البلاستيكية قبل أن ينال الزمهرير مني ويُسقطها أرضا كما حصل معي آخر مرة فالألم لازال يلازم يدي
كل دفاتري المهترئة التي جفت أخيرا لا تقوى على أن تُبَلَّل من جديد . لا زالت العتمة تغزو المدينة وصديقي متأخر كعادته، فالمشوار طويل ولن أغادر دونه
يتراءى طيفه من بين الضباب والحلكة المتلاشية ،يصدر مُقلِّدا صفير طائره المفضل ،فتُرسَم على وجهي ابتسامة الأمل
بعد التحية...نَعتَلي سورالسكة لنختصر الكيلومترات مشيا على الألواح التي تُثَبِّـت القضبان ،غالبا ما كنا نَعُدُّها ،فيوافق العدد ثمانمئة كل مرة تقريبا وصول البابور العظيم، ننتقل مُجبرين إلى السكة الأخرى ،في انتظار مروره ، كانت مقصوراته المتماسكة فيما بينها تحمل أطنانا من معدن الفوسفات ،تروح بطانا وتغدو خماصا ،لنعود من جديد إلى الأولى تحسبا لقدوم آخر
نستأنس باستظهار نص كنا قد أهملناه في مادة المحفوظات ،نحاول تداركه فيما تبقى من الأمتار ،نصل إلى آخر معبر بمحادات المدرسة،غير موفقين كالعادة في حفظ النص
هناك حيث شجرة الخلاص ،نضع بأغصانها كالعادة عُقَداً نَحسَبُها تنجينا طيش وبطش الأستاذ
ندخل الفصل من أبوابه المتفرقة، يأوي إليه كل من انقطعت عنه السبل فيغادر عند وصولنا من ثقبه أو عبر بابه المفقود .
طاولات بلا ألواح ، دأب سكان القرية على سرقتها قصد التدفئة، كنا نحن أحوج لِدفئها
من جُحْرٍ كحجرة بالمدرسة، يخرج الأستاذ وهو يُعدِّل هندامه، غير آبه بنا ،ننشد للوطن قبل النص ...
وطني الغالي لك روحي ومالي ...
كانت بدايته التي لم أُوَفَّق في إكمالها، أكملته عصا الأستاذ بلحن حزين على يدي.

