-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

العش/ قصة قصيرة للقاص:صقر المحمود / سوريا

 "العش"

منذ أن عادت الحمامة البرية إلى عشها المهجور في شرفة البيت الشرقية، وشرعت بتنظيفه أضحى لنزار الصغير ما يشغل باله.
في كل خريف، ترجع من مكان ما، تضع البيض هنا، و ترعى الفراخ، حتى إذا أتقنوا الطيران، رحلت معهم
و كان من عادتنا، أن نتجنب الجلوس فيها، كي لا نزعج جارتنا الحبيبة.
لكن صداقة نشأت بينهما، جعلتني أستثنيه من قرارنا.
دون أن يستشيرنا، وهب نزار الشرفة لصديقته، و حتى يريحها من مشقة البحث، و الطيران بعيدا ،حولّها إلى عش كبير، و نثر فيها، الحنطة و البرغل، و إناء ماء أخضر، و لم ينس أبدا، في كل صباح أن يضع على الحافة قطعة حلوى، كنت أسرقها في غيابه، ليصدق أن رفيقته أكلتها.
و كنت أظن أن الحمام ليس إلا طفلا، يفقس من البيضة، و يهاجر، يعشق هناك، ثم يكبر ،و ينسى العودة.
في أحد الأيام، دخل عليّ مسرعا، و جذبني من يدي
عرفت أنه سيقودني إلى هناك، لا مكان غيره يذهب إليه، بعدما هجرنا، ليقضي النهار بطوله بقربها، ثم ينام مع غياب الشمس.
كانت ثلاثة فراخ، قد فتحت عيونها للنور
و عندما اقترب منها، لم تستنكر الأم ذلك، بل بدا لي أنها تناقشه في اختيار أسمائهم.
حتى أنا، من خلف النافذة ما استغربت وقوفه بجانبها.
. . . . . . . . . . . . . . .
مرت أيام تشرين، و اقترب البرد، و أضحت ساعات العصر ملبدة بغيوم بيضاء، تجري مسرعة تدفعها رياح حائرة، تهب كل ساعة من إحدى الجهات، و أصبح المغيب أقرب.
كانت الفراخ تنمو باطراد، و بدأت تتعلم الطيران، و حين تتعب، تحط على كتفيه
و بينما يجثو على الكرسي، متكئا بمرفقيه على حرف الشرفة، محتضنا وجهه الصغير بكفيه، يراقب الأطفال في الشارع، أشرت إليه من خلف الزجاج، فجاءني متكاسلا.
_ لم لا تذهب للعب معهم ؟
رفع كتفيه فقط .
_ هل ترفض صديقتك أن تخرج ؟
ظلّ صامتا، و عاد إلى كرسيّه.
هذه المرة قلت لنفسي: إن الحب شعور واضح، خال من أي تعقيد، إنه ببساطة يجعل إنسانا ينتمي لعش حمام.
يوما بعد يوم، طالت ساعات سكوته، فسألته ممازحا:
_ ألم تتعلم من رفاقك الهديل ؟
اتسع وجهه بابتسامة، و أظهرت عيناه الصافيتان
أمنية بريئة.
_ إذا طال مقامهم بيننا قد تتعلم الطيران أيضا !
_ هل سيرحلون ؟
تشاغلت عن الرد، كنت أطيل طفولته.
لم أرده أن يعرف، أن شرفتنا، ما احتوت غير هذا العش و أن طائرا فقط يعود من الراحلين الكثر.
اقتربت اللعبة من نهايتها، و صرت أبحث عن خاتمة تبقي البطل على قدميه للفصل القادم . . . .
عندما وقفتُ معه في ذلك الصباح، و الشمس تضفي على غيمة تعترض الأفق، لونا ورديا، كان كل شيء قد رحل.
آثار عائلة سافرت على عجل، و ريشة بنية اللون من جناح حمامة برية وسط العش، و سؤال كبير على وجه طفل سيرحل أيضا بعد قليل إلى الواقع:
_ هل سيرجعون ؟
لم أجبه أنا، لقد أنطقني الطفل الذي أهمل أسرابا جاورته، و لم يلاعبها :
_ هؤلاء بالذات سيرجعون ... لأنك تنتظرهم.



عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية