(نظرية التداعي؟؟...... ومقومات نشوبها ) في نص الشاعر العراقي مهدي سهم الربيعي
بقلم/ أ . ميلو عبيد / سوريا
اشباح تجهض الزنابق.
لم أجدْ في رأسي خيالا خِصبا يحلقُ بي الى مرتبةِ التفكير ..
وسطٓ نوباتِ الكآبةِ المصاحبةِ للضجرِ والجنون ..
كياني يذوي ..كغصنٍ حُرِمٓ من الري ..
تتناوله فؤوسُ الرجالِ ..لصنعِ لوحٍ في تابوتٍ ..
يفتشون الازقةٓ المفتوحةٓ ..بحثا عن اصواتٍ تسمعها المخادع ُ
بينما تقفُ على رؤوسِ الشرفاتِ ديوكٌ خرس ٌ
النساءُ اللواتي ينشرن على حبالِ تلصصِهن ..
اكياسٓ وسائدِهن تحت الغيومِ ..
ينظرن بخبثِ الكونِ ..ليتناقلن حكاياتٍ عجيبة ..
عصاي المعروقة تستنطقُ الوسنٓ ..
تبصمُ السباتٓ بوقعٍ هائجٍ ..
ضياءٌ يهدرُ بقطرةِ مطرٍ ..
مساحاتُ زجاجِ غرفةُ نومي ..
تستنشقُ الريح ٓ التي ولدته ..
فتجهضُ الستائرُ زنابِقها ..
تتعاقبُ على وجهي المنكمشِ جملةُ تعابيرٓ مبهمةٍ ..
حفرتْ فيه اخاديدٓ حزنٍ عميقةٍ ..
على احاديثِ عتباتِ النميمةِ ..
يتخثرُ بياضي ..كما جميعُ الرجالِ في ليلٍ قادمٍ ..
ثمةُ همهماتٍ شبحيةٍ ..تطبقُها الهياكلُ لحجرتي المعتمةِ ..
كباقي الليالي المؤرقةِ .اعاندُ النومٓ ..
احتفظُ بسرِ ..امنيتي المفضوحةِ ...
==================
الدراسة:
المسك كان في العتبة العنوانية والتي تعتبر المنصة الرئيسية في النص وسأبدأ منها :
بداية اشباح و زنابق هي من أقسام الكلام اسماء ، وحسب سياق الجملة ( فاعل، مفعول به) معلومان
_ تجهض فعل وقع بين اسمين
_ اشباح هي عبارة عن طيوف غير مرئية لكائنات غابت او لنقل فقدت تعالقها المادي على الارض اي المكاني، تترائ لنا اذا هي عبارة عن وهم حياة // علقو في الزمن
المقاربة الالدلالية: حياة ميت... ممكن ان تكون عادات وتقاليد بالية او خرافات او نظام حكم فاسد لحكومات مستحكمة كانت وامتدت
_ الزنابق هي كائنات نباتية تنتصب باستقامة دون التواء متعالقة مكانيا (ارض، ماء) مندفعة نحو الأعلى بثبات، تحب الحياة // سعي
المقاربة الدلالية: حياة حقيقية قائمة
بات لدينا حياتين (حياة ميت) غائية، و ( حياة واقعة)، متضادتين في الوجهة ، الأولى تسعى نحو الاسفل تبحث عن مكان (جسد تتلبسه) لضمان استمرارية فعلها ، والثانية تسعى إلى الأعلى، تبحث عن متنفس، زمان تغيره (فكر تحياه).
_ تجهض ( إجهاض) المعنى المعجمي واضح ( افشال. إنهاء. قتل.....) وهي مرتبطة بفعل الولادة
المقاربة الدلالية : منع اي محاولة تجدد بقصد التغيير... اي وأدها
بجمع ماسبق
حياة ميت( وهم) تقتل وتفشل وتأد حياة تسعى لولادة جديدة
بتفكيكك العنوان نلاحظ ان الكاتب وضعنا امام تصور واضح لمضمون النص ( صراع وجودي ما) أدى إلى جريمة من نوع ما؟! كانت الغلبة فيه إلى الطرف الأول
تداعي الحدث.... ومقومات نشوبه
بداية النص هو عبارة عن محاكاة آنية للذات
، جمله طويلة نسبيا بلغت به حد الخطاب مثال :
( لم أجدْ في رأسي خيالا خِصبا يحلقُ بي الى مرتبةِ التفكير ..)
(وسطٓ نوباتِ الكآبةِ المصاحبةِ للضجرِ والجنون ..
كياني يذوي ..كغصنٍ حُرِمٓ من الري ..
تتناوله فؤوسُ الرجالِ ..لصنعِ لوحٍ في تابوتٍ ..)
( مساحاتُ زجاجِ غرفةُ نومي ..
تستنشقُ الريح ٓ التي ولدته ..
فتجهضُ الستائرُ زنابِقها ..)...... الخ
وأقول آنية إذ بمرور سريع على النص نجد ان الأفعال المضارعة طغت عليه طغيانا شبه كامل
، وبغض النظر عن التكرار فإن الفعل المضارع دليل على أن الحدث ( قائم) في الوقت الحاضر وما زال مستمر... لم ينته بعد... مع الإشارة إلى عدم معرفة متى بدأ / القصد انه متعالق ولو بنسب مع الماضي
ساتوقف عند هذه الأفعال واضعها بين قوسين والتي جاءت بمعظمها قهرية ضمن سياق جملها كما سيتبين معنا، وهي أساس الحدث وساقوم بتقسيمها لمجموعات ١، ٢، ٣، ٤ تماما كما جاءت بالنص بنفس التراتب، لتسهيل عملية الالمام بالمعنى
١ _ لم (أجد) ... خيالا خِصبا يحلقُ // فشل = خيبة
_ كياني (يذوي) // ذبول وافول = تسليم مكرها
_ (حُرِمٓ) من الري // هضم حقوق = قمع
_ (تتناوله) فؤوسُ // تقطيع أوصال = قوة مستحكمة، تشتيت تنويم
_ ..(لصنعِ) لوح في تابوتٍ // موت متوالد = حياة فردية مقهورة وبالتالي بيئة جمعية لا حياة فيها خانعة مستكينة
_ (يفتشون) الازقةٓ // مراقبة = حصار وضغط نفسي وفكري
_ (تسمعها) المخادع ُ // وشوشات تحاورية بالسر = كم أفواه
٢_ (تقفُ) على رؤوسِ // حارس، ناطور، رقيب = تقييد حركة... شل
_ (ينشرن) ... تحت المطر // اللامنطق = خداع واحتيال
_ (ينظرن) بخبثِ // نوايا ماقبلية = أذية مضمرة تتحين
_ (يتناقلن) حكايات.. .// توسيع = ثرثرة = شغب اجتماعي
٣_ عصاي المعروقة : (تستنطقُ) الوسنٓ ، (تبصمُ) السباتٓ // شكوى = تأييد وتحالف إعجازي فلا الوسن سيستفيق والسبات باق باق
_ ضياء (يهدرُ) بقطرةِ مطرٍ ..// ضجيج، عدم اتفاق عدم تكافؤ = خلل نسبي
_ (تستنشقُ) الريح ٓ التي ولدته ..// سجن تقييد= تآكل ذاتي
_ (فتجهضُ) // إنهاء = قضي الامر وكان ماكان
_ (تتعاقبُ) على وجهي المنكمشِ جملةُ تعابيرٓ مبهمةٍ ..// تتالي = سلسلة من ردات أفعال لـ أفعال حدثت
٤ _ (يتخثرُ) بياضي ...// يتجمد = يثبت، يتوقف
_ ثمَّة همهمات (تطبقها)الهياكلُ لحجرتي المعتمةِ ..// تفبرك = نسج خيال
٥ _ كباقي الليالي المؤرقةِ .(اعاندُ) النومٓ ..
(احتفظُ) بسرِ ..امنيتي المفضوحةِ // ارفض، اشاكس = رغبة في الاستيقاظ / الحياة
في ١ نجد:
اول فعل افتعالي / حُرم / الفاعل مجهول لم يفصح الكاتب عنه ربما هو نفسه ذاك الذي كان يرويه وعزَّ عليه أن يسميه وهما اللذان ربطتهما رابطة انتمائية ( غصن =شجرة، ارض) //( مواطن، وطن)، رابطةاسرية ( ابن، ابيه) (ابن ، امه) ( اخ، أخيه) ، رابطة اجتماعية مع ( جيران.. أصدقاء... أقارب.. الخ) . ما يلبث ان يُظهر لاحقا من ينوبون عنه عن ذاك الفاعل مستخدما صيغ الجمع (رؤوس... رجال... الخ) تارة، وتارة أخرى ضمائر الجمع (يفتشون... الخ) هذا يكافيء انهم أعوان بغض النظر ( حقيقيون او انتهازيون او كلاهما معا)، أحزاب او جماعات. او سلطات نافذة (يفتشون الازقةٓ المفتوحة)، بالتالي تخريب جمعي (لصنع لوح في تابوت) وبالتالي على مستوى بلد وهنا الارجحية للرابطة الانتمائية
_ في ٢ نجد :
انه انتقل الى صيغة التأنيث /وكوننا في مجتمع نادرا ماتشغل المرأة فيه منصبا قياديا او رفيعا فلتأنيث او لنقل النسونة جاءت كإشارة منه إلى أن رقعة السواد انداحت حتى وصلت الى أدق مفاصل الحياة الحياة الاجتماعية، فلامست كل حارة وكل شارع ومنزل وعائلة...
وهنا الرابطة مجتمعية
_ في ٣ نجد :
ان الخناق ضاق جدا جدا و التشققات استطالت و وصلت إلى عقره (غرفته)، وكيف ان التآكل الذاتي لا ريب بدأ... اي ان قوة السواد باتت ضاربة ولم يبقى بقعة حياة معارضة لها لن تطالها سوى راسه وما يحتويه.... ويمر شريط الحوادث /الافعال مسرعا امام عينيه كمن يحسب نفسه وصل خط النهاية... الرابطة هنا اسرية
_ في ٤ نجد :
بدء الاطباق الكامل... والرابطة هنا ذاتوية
_ في ٥ نجد :
يتم الالتقاء مابين
النوم الحقيقي والنوم الذي يفرضه السواد والحياة والمجتمع بالنهاية واقع الحال وهو يعاند كلاهما فمعاندته للثاني (السواد) استدعت معاندته للأول (النوم الطبيعي اي الاستراحة)
وكان الحدث
نلاحظ (1،2،3،4،5) كيف جاء التدمير متسلسلا كما يلي ( رابطة انتمائية، رابطة مجتمعية اجتماعية ، رابطة اسرية، رابطة ذاتوية) أي عنده كانت النهاية ومن عنده ابتدأت القيامة الجديدة كما اشرت في (5) // احلام اليقظة = السعي للتغيير
من كل ما سبق نستطيع تلخيص مقومات نظرية التداعي ( تداعي الاستيقاظ /الأرق والمكافئة للتغيير كالآتي :
١_ الاستمرارية....
الرغبة والسعي للتغيير والانعتاق من الكهف ومن الفساد المستحكم من اجل الإستمرار لانه اذا لم نفعل فالتدمير ممنهج ليطال كل الشرائح ( سبق واوضحنا استطالة التشققات وطغيانها المنظم والمتدحرج.. رابطة انتمائية، مجتمعية اجتماعية، اسرية، ذاتية)
٣_ التضاد...
غالبا المتضادات تشكل لدى الفرد صدمة تجعله يصحو ويتبين الحقائق نتيجة لمقارنتها ببعضها البعض ( جهل مع انفتاح) ( نوم مع استفاقة) وهذا ما حصل مع الكاتب مما دفعه للاستفاقة وللتفكير بالتغيير
٢_ التعالق الزمني....
الامتداد السلوكي المعالجاتي السيء يضع الفرد / الكاتب تحت وطأة سلسلة لا متناهية من الخذلانات والإبتلاءات فنراه يعيش حياة مؤجلة ( ساحتفظ بسر امنيتي المفضوحة)..... التغيير
تقديري