-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

شعريَّة النثر عند قبَّاني" .. كتبت / أ . فاطمة حيدر العطاالله

  شعريَّة النثر عند قبَّاني"

كتبت / أ . فاطمة حيدر العطاالله





- يقولُ أودنيس في كتابه (سياسة الشِّعر) : " إنَّ الفرق بين الشِّعر والنَّثر ليس في الوزن بل في طريقة استعمال اللغة" ، ويعدُّ هذا التعريف تمييزاً بين لغتي النَّثر والشِّعر ، وفاتحةً لتَبيان ما يَميْز كلَّ فنٍّ عن الآخر…
- وبالحديث عن النَّثر عند نزار قباني ، فإنَّ هذا التعريف ربما يأخذ مساراً آخر ، لا يقترب كثيراً من معناه الحقيقي ، وذلك لما لنثر نزار قباني من خواص تجعله يتفرد في جوانبَ تزيد التوتر الانفعالي فيه وتجعله أقرب إلى لغة الشِّعر منه إلى لغة النَّثر ، وهذه الشِّعرية التي يتخذها نثره على صعيد الفكرة والشكل والتوزيع الموسيقي ، وقد كان ذلك واضحاً لمن يقرأ نثره بتمعنٍ، نثره الذي يصلح أن نسمِّيه "قصائدَ طويلة" على صعيد الموسيقا والفنية والفكرة !
- نتوقفُ عندَ نصِّه (تحطيم الأشياء) من كتابه "قصَّتي مع الشِّعر" في المجلد السابع (الأعمال النَّثرية الكاملة - ) الذي يقدم نموذجاً عن فكريّة نثره ، فالقراءةالواعية لهذا النص تكشف ما ورائية هذه السطور ، إذ لايمكن له وهوالشاعر أولاً أن يسرد كلاماً عادياً مجرداً من فكرته ، فقط لأجل السرد ! ، إنما يحمل فكرتَه الأدلَّ ، والأعمقَ ، كما يحتويها شعره ، لذلك لا يمكن أن نصنف نثر نزار قباني على أنه نثرٌ فنيٌّ لا أكثر ، فهوإلى جانب فنِّيته ، يحمل فكراً عميقاً وفلسفة وجودية ،ودلالاتٍ رمزيَّة ، نستشفها في أعماق النَّصِّ المحتقن بما فيه .
- يقول في النَّصِّ المذكور : ( كنتُ أشعر بأصوات داخلية تدفعني لأن أقولَ شيئاً أو أفعلَ شيئاً أو أكسرَ شيئاً ، شهوة كسر الأشياء هذهِ أتعبتني وأتعبت أهلي ، كانتْ الأصوات في داخلي تتساءل : لماذا يبقى الشيء على حاله؟ لماذا لا يغيِّر حجمه؟ لماذا لا يغيِّر اسمه؟ لماذا يبقى المقعد قاعداً… .والشجرة مستقيمةً ...والطاولة بأربعة أرجل؟) - وفيما سلف يتبين من الأسئلة التي طرحها رغبته العارمة في التغيير وتطلعه نحو الثورة ، والابتعادُ عن عادية الشيء ، والسؤال الملحِّ هذا دلالة على عمق التفكير الفلسفي عنده…
- الذي يقرأ هذا النَّصَّ بعاديته لن يجد فيه من الرمزية شيئاً ، إنما سيراه يندرج ضمن إطار السرد الذاتي ، ولكننا نقدم فيما يلي ما يختبئ وراء هذه السطور ، فإشعال النار في نفسه يرمي إلى فكرة خطيرة وهي فكرة الاحتراق ، احتراق المواطن العربي لكي ينبعث من نفسه كالعنقاء ، وهذا سر النار أي سر الاحتراق ، الثورة !
وبالحديث عن رمزية النثر التي تعدُّ من خواص الشعرية التي يتمز بها نثره وشعره ، يقول في ذات النَّصَّ: (كانت طفولتي مليئة بالأشياء الغريبة… مرةً أشعلت النار في ثيابي متعمداً لأعرف سرَّ النار… مرةً رميت نفسي من فوق سطح المنزل لأكتشف الشعور بالسقوط… ومرةً قصصتُ طربوش أبي الأحمر بالمقصِّ لأنني تضايقتُ من شكله الأسطواني… . ومرةً كسرتُ ظهرَ سلحفاة المنزل بالمطرقة… لأعرف أين تخفي رأسها… . دم السلحفاة القتيل مازال على راحتي… الحقيقةُ أنّني ما أردت قتلها ، ولكنني أردتُ قتلَ السِّر… قشرة الأشياء السميكة كانت تعذِّبني… )
وإن رغبته بقص طربوش أبيه فكرة عميقة دلت على رغبته بتغيير شكل الموروث الشعبي لأنه لم يعجبه شكله ، كأنما يقصد تعديله لكنه لم يقصد رفضه ، فقد قال (لأنني تضايقتُ من شكله الأسطواني) ، أما فكرة كسر ظهرالسلحفاة فهي ترمز إلى المرأة العربية التي تختبئ بصدفة التقاليد والقيود ، وعندما رغب بظربها كان يقصد كسر القيد ، ثم يشير إلى دم السلحفاة ، الذي بقي على راحته ، في إشارة منه إليه ، الذي يدفع المرأة إلى الثورة وكسر القيود التي تحدُّ من كينونتها(ما أردت قتلها ولكنني أردت قتل السر) ، وقد استخدم (السلحفاة) التي ترمز إلى البطء إشارةً إلى أن المرأة العربية ما زال خط التغيير نحو حريتها وكينونتها بطيئاً ، ودم السلحفاة التي يريد ، ما زال على يده ، هو الرجل ! .
- هذا على صعيد فكريَّة النثر العميقة عنده ، ولكن هذا لا ينفي أن نصدّ عن فنية وشكلية نثره الخاصتين ، فنثره لا يتَّخذ صورة سرديةً واحدةً ، ففي شكلية النصّ طريقة لقراءة فحواه ، وهذا يدخل في نطاق القصيدة المقروءة الجديدة بالرغم من نثية النصِّ ، إلا أن طريقة قبّاني كانت طريقة واحدة في الشعر والنثر ، أسبغها بوجدان واحد ،وفكر واحد ،مما جعل نصَّه شعراً أو نثراً نصَّاً ملآناً كثيفاً في الفكرة والفنيّة والصوغ ، وهذا من أبرز ما تتصف به الكتابة النزاريّة .

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية