"ما لم يَقُلْهُ...زرادشت" الجزء الثاني
بقلم : أ . نداء مبارك
الاسرة لدى الزرادشتيين من أقدس النظم الأجتماعية، ويقولون أن زرادشت سأل اهورامزدا: ما هو المكان الذي تشعر الأرض فيه أنها أسعد ما تكون؟ فيجيبه: أنه المكان الذي يشيد فيه أحد المؤمنين بيتا، وفي داخله كاهن.. وماشية.. وزوجة.. واطفال.. وفيه انعام طيبة..وتُكثر فيه الزوجة من الأبناء.. وتشتعل فيه النار.. وتزداد فيه جميع نعم الحياة.
كان الزعماء الدينيون يشجعون على الزواج من المحارم! معتبرين ذلك تقليد ديني الزامي، لإنجاب المزيد من الأبناء، كما ادعى الكهنة أن الزواج بين المحارم ينتج أقوى الذكور، واناث ذات خصال حميدة! ويأتي بأكبر عدد من الأطفال، وأنه محمية لنقاء الجنس!
وحسب التقاليد الزرادشتية قديما" سُمح للرجال بالزواج من بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم! والأمر ليس لمجرد الاباحة، بل اعتبروه من أعمال التقوى! وعلى حد قول أحد كبار الديانة الزرادشتية (نرسي بزرك مهر): الزواج من المحارم جاء بفوائد ومنافع كثيرة "فأنه يمحو كبائر الذنوب"!
ولكي يبرر "ويراف" صاحب كتاب "معراج الروح" زواجه من أخواته السبع! يقول في معراجه هذا: أن في السماء الثانية أرواح أناس كانوا قد تزوجوا محارمهم فكان مغفوراً لهم!
مع ان هذا العمل مخالف للطبع والفطرة.
ويقول الباحث الإيراني"سعيد نفيسي" في كتابه (تاريخ اجتماعي إيران): "إن من البديهي والمُسلّم به، والذي نجده بصورة قاطعة وحيّة في مصادر ذلك العهد الإيراني القديم: هو الزواج بالأقارب والمحارم من الطبقة الأولى كان معمولاً بل شائعاً بينهم حتماً، على الرغم من الضوضاء الحمقاء التي يفتعلها الزرادشتيون اليوم.
زرادشت تزوج ثلاث مرات، وأنجب من الأولى ابناً وثلاث بنات، زُفَّت إحداهن إلى أحد حواري زرادشت، وأنجب من زوجته الثانية ولدين، صارا فيما بعد رئيسين لجماعتين أسسهما والدهم فيما بعد، وهما: جماعة الفلاحين وجماعةالمحاربين..
ولم يذكر الزرادشتيون ان نبيهم قد تزوج من محارمه!!
الزواج من المحارم ادى نتائج عكسية، حيث لاقى مقاومة شديدة أدت إلى المزيد من تحولات الزرادشتيين إلى الديانة المسيحية ومن ثم الإسلام بعد ظهوره، ويعتقد أن هذا الأمر هو الذي أدى إلى سقوط الديانة الزردشتية. ولم يبق منهم اليوم الاّ ٢٠٠ الف، منهم ١٣٠ الف في الهند وحدها والباقي ينتشرون في اذربيجان وايران ديانة وشمال العراق.
الكثير من الزرادشتيين حاولوا تشويه الدين الاسلامي وثوابته ومبادئه. وقالوا عنه انه دين خرافات واساطير (ونسوا أدعائهم انه مقتبس من ديانتهم)! مع ان دينهم ليس بدين ولا زرادشت نبي، وكتاب (الافيستا) الذي كتبه الفيلسوف زرادشت كُتب مرة اخرى، ولكنه أُحيط بوابل من الخرافات والاساطير .
ومن هذه الاساطير قصة"أسفانديار" ابن الملك الحاكم(احد مريدي زرادشت) وأول من آمن بزرادشت، وأن لديه رسالةً دينية يجب تبليغها، داعياً جميع رعاياه إلى اتباع عقائده وتعاليمه. وأما رستم وهو زعيم سلالة أخرى، رفض التنكر لدين أسلافه؛ ولذلك زحف أسفانديار لمواجهته، فنشبت معركةٌ طاحنة بينهما، أدت إلى تحول جسم أسفانديار إلى "معدن البرونز" ماعدا عينيه! ورغم ذلك فقد سَمَلَ رستم عينَي أسفانديار بسهم مزدوج الرأس! فعاد الأخير إلى أبيه ومات بين يديه!!
كما تروي الأساطير أنه لما وُلد زرادشت أحاط بالدار التي وُلد بها نور قدس وهّاج، وهبط من السماء نجم عظيم ودنا من الأرض، وظهر في عرض الأفق في السماء كوكب عظيم ملأ ضياؤه جميع أنحاء الفضاء. وتحيط الأساطير الإيرانية طفولة زرادشت بسيل من الاساطير والخرافات.
انتعشت الزرادشتية مؤخرا في العراق، بعد ان اندحرت لعقود من الزمن، بسبب تنظيم داعش، وقتلهم للابرياء في اقليم كردستان "فهناك نشاطاً متزايداً للزرداشتين في الإقليم، حيث بدأوا بنشر تعاليمهم وأفكارهم في أوساط الشباب؛ كما لايُنكر وجود اوساط من المثقفين ترفض وبشدة أفكار وتطرف داعش لأساءته للاسلام من خلال الأفعال التي قام بها في الحرب الدائرة.
اما عن المبادئ التي كتبها زرادشت في كتابه الافيستا نذكر بعضها:
*خلق الكائنات البشرية بارواحها واجسامها ومنحها حرية الارادة واختيار الطريق الذي يسلكه، وتجريد العقيدة من العناصر الميثولوجية
(الاساطير والخرافات) ومنح التاريخ صفته الديناميكية، وتطور الانسانية قائم على اساس مقاومة الشر،. كما اكد على المبدأ الاساسي في الدين وهو الثلاثي (الفكر الصالح، العمل الصالح، القول الصالح).
*اقام زرادشت من اجل العالم المادي نظاما اخلاقيا مطابقا للمبادئ التي يجب على البشر ان يعيشوا تاريخهم وفقا لها. كما انه يهتم بالشرور التي تثقل كاهل الحياة الانسانية، كما وحذر عن الصور البشعة للاشكال اللاأخلاقيه كالكذب والقتل والكسل وكل ما ينافي الشرف. اهتم اقصى الاهتمام بالالم والمرض والمصائب الكبرى التي تحدثها افات الدنيا. ونفخ الحب في علاقة الاب والابن والام
*اعتبر زرادشت التفريق بين الخير والشر عقيدة، تقوم على اساس التعارض بين عالم الاخيار وعالم الاشرار، وهما في صراع مستمر الى ان تقوم الساعة، وللناس الحرية التامة في اختيار الخير وصرف جهودهم لاجله، او ان يقعوا في حبال مغريات الشر، زرادشت يؤكد على ضرورة محاربة الظلم والاعتداء والفساد، بل يلح على ضرورة معارضة كل انواع الحروب!
مسك الختام: حكم واقوال قالها زرادشت الفيلسوف:
*الحكمة والشجاعة والعفة والعمل والإخلاص والأمانة والكرم، فضائل بمثابة الملائكة!
*فعل الخير للآخرين ليس واجبا، بل متعة!
*العقل المتأمل الراضي أفضل ما يمكن امتلاكه!
العراق_ بابل