الشاعر
العراقي وليد حسين ومكاشفات ظلّهِ المغترب
بقلم : أ . ابراهيم قوريالى/ كركوك
(الشاعر
هو لسان حال منْ لا لسان له)، قالها الباحث التركي آيدان نور الله، نعم هي مناجاة لمن
لا يملك وسيلة فصيحة لنجواهُ، هو الافصاح لشعور لمن لديه شعور عارم لكنه للأسف لا يستطيع
البوح بها لسبب ما أو لأسباب متعددة.
وليد
حسين عرَفَ كل هذا، وأخذَ على عاتقه المتعب اصلاً البوح من جوف ماي عانيه المهمشون
والمدحورون مستنداً على ثقافته الايدولوجية الكادحة ،ومستفيداً من قوة لغته الشعرية،
وخياله اللامحدود في وصف الموصوف بدقة متناهية دون الحاجة الى الغوص في ذات الموصوف
أبداً.
لدي
الان كتابان له( ظلي هناك، وقتامة الصبح)، نعود الى الاول في هذه المقالة وقد قرأته
مرات عديدة ،واستوقفتني فيه مكاشفة حقيقية غير ضبابية من ضمن واقعنا الأليم والمؤلم
في آن واحد، وقد كتبها على المكشوف الواضح ،والصريح دون الإستعانة برموز شعرية وهو
(يملكها بالتأكيد) عسى انْ تصل الى الطرف الاخر ( المسؤول) وهو صانع القرارات ويملك
مفاتيح الغيب ،ويستطيع تحديد المستقبل وإيصالها لبر الأمان ( حسب رؤية وليد حسين طبعاً)
وشخصياً اتمنى ان يكون على حقٍ، وها هو يوصيهم وينصحهم بعدم الاستعجال ، والتريث ،والصبر
عند التوقيع النهائي على معاملة ما لان صاحبها الفقير لم يصل الى بابهم العالي بسهولة
،وربما كلفته جهداً بدنياً( الروتين القاتل) ومالياً( ممرات سرية لبعثرة الأوراق النقدية)
قَطَعهُ من فَيْهِ أطفاله وجلّ غاية رفع الغبن الواقع عليه او الحصول على مكاسب مشروعة
او تعويض يسير لِما فقدهُ من جرّاء أحداث لا دخل له بها مطلقاً، وليد في مكاشفته الاولى
كَتَبَ في الصفحة ٣٥ من ديوانه الثاني (ظلي هناك)
( لاتتريثْ
عند
الإمضاء
فالواقف
من حولك
لايعبث
اجتاز
ممرات سرية
مكتظة
بالأوراق
النقدية..)
هل ترّيثوا؟
هل سمعوا نصيحة وليد وغير وليد؟ لا أعتقد ذلك
مطلقاً، والجدير بالذكر هنا ابداع الصورة الشعرية لدى شاعرنا بكلمتين ( سرية مكتظة)
كيف تكون سرية ومكتظة؟ إذاً تحولت الأمور من السرية الى العلنية المطلقة.
حسناً
فعل وليد عندما زيّنَ كتابه بأشعار عمودية ذوات قوافٍ متراصة ،ووضعها في صدر الكتاب
،واتبعها بأخريات تحمل قوالب حرة تحتوي على الرمزية المخفية والمستحدثة التي في طياتها
نجد التلميح والايماء فقط ،وترك للقارئ حرية التأويل حسب همومه الخاصة عسى ان يجد بها
مفرغةً لحزنه المكبوت الذي يرفض الاستسلام لغير كلمات الشعراء،
فعلاً
انها أحزان لا تنتهي ومأساة بشعة عندما تستهدف الأرصفة، لماذا الأرصفة بالذات؟ لأنها
ستكون مصدراً للحزن ايضاً ويختارها القاتل بدقة متناهية لدفن آلة الموت والقتل من أجل
إيصال الأذى الى الراجلة والسابلة والراحلة و المتبضعين والكسبة ومن الطبيعي انْ يترك
هذا العمل المشين آثاراً واضحة للقاصي والداني وتحتاج ترميمها موافقات مالية تغص بالروتين
وتطول و تطول لتلتحق مع شقيقاتها من الأرصفة المدمّرة الأخرى الى تاريخ اسود لتعلن
للعالم بأنّ للإرهاب عيناً لا تبصر ، كتبَ وليد في الصفة ٥١ (أرصفة الطرقات:
أرصفة
الطرقات معطوبة
بالديناميت
تُعلن
أمام العالم كله
عن حاجتها
للترشيح
وتدافع
في معرض
رد عن أسئلة
عن مشروع
يحصي الأرصفة).
وليد
ثبّتَ هذه الأحداث المؤلمة بتاريخها ٢٠٠٥ لتبقى دليلاً على معاناة العراقيين في تلك
المدة العصيبة، ألم اقلْ انه اي وليد يكتبُ بدلاً عن الذين لا يجيدون التعبير عن معاناتهم.
بغداد
قلعة الاسُوُد، هي حاضرة بجرحها ودمها الغضب في ضمير الشعراء ابداً ودائماً لأنها مدينة
تنبت من ثناياها القصائد عبر التاريخ ،وتشهد بذلك
أشعار المتنبي وابن زريق، والزهاوي ،والرصافي ،وهي مدينة وليد حسين ايضاً، ووجدها
متألمة، تأّلم لها ووجد اَهلها مخيّرون بين الطاعة او التهجير أملاً بالتغير، وها هي
رياح التغير قد وصلتها حسب مصالح المستفيدين حصراً، يعود وليد ليسأل القارئ ( هل تنعم
الآن بالدفِ والامان ؟) ويجيبه، لا طبعاً لان كل مدخراتي قد سُرقت من قبل المحترفين!
ويقول في نصه ( أمام المرأة ص ٥٥)
(لا
يدخرون الطاعة... والسمع
بين
التنظير والتهجير
ربما....
هناك وقت للتغير
والتطهير
عن أدناسٍ
عَلقت
في ذاكرة
الفوضى
هل تنعم
بغداد؟
بالدفِء
والشطّار
سرقوا ما ادخرت
من قوتٍ)،
وضع
وليد إشارة الاستفهام بعد بغداد مباشرة وليس بعد كلمة ( الدفء) المعمول فيه في قواعد
اللغة العربية ربما من شعوره باليأس وتأكده من الجواب العقيم لسؤالهِ أو انتظاره جواباً
فورية من بغداد!.
لماذا
تخشى الدول أو بالأحرى من يملكون القوة في الدول من اصحاب الثقافة ومروجيها؟ هل يفعلون
ذلك استناداً على الآية الكريمة ( ويخشى الله عباده العلماء) صدق الله العليّ العظيم،
أم هناك خشية وخوف من انْ يقوم المثقف بتثبيت ما يعملونه لتكتب في صفحات التاريخ؟ ربما
هذا صحيحاً، ومن اجل صقل أعمالهم وتمجيدها تجدهم يملكون مثقفين ومروجين لهم في كل الأزمنة
والأمكنة يؤيدون افعالهم واعمالهم! من المؤكد ان وليدَ ليس منهم بالتأكيد لأنه كتبَ
الحقيقة الناصعة فقط.
شارع
المتنبي في بغداد هذا الصرح الثقافي الكبير يسميه وليد ( سوق الورّاقين)للأسف الآن
يحمل وجهاً مكشراً وعبوساً لغضبه الجم من الجهلة الذين لا يتورعون عن ختمه بالشمع الاحمر
حيناً بعد حين اذا ما وجدوه عكس تطلعاتهم ناسين او متناسين انّ السوقَ كان مصدراً للنور ومعشوقاً أبدياً لسيبويه وعدواً أزلياً
لمحبي الرطانة، وليد كتبَ كل هذا في شعره ( مع حلول الصمت ص ٦٢)
( عند
الكتابة...
عن سوق
الوراقين ببغداد
ينبعث
الوجه الداكن... حنقاً
يمهر
بالشمع الاحمر ... وبالجهل
شروخاً
كانت مصادر نور
يقرر
عزل الناس عن التوحيدي.....
العراق
هذا الوطن الكبير كان وسيبقى قِبلة الشعراء ولن تقرأ قصائدهم ،ولن تقبل منهم اٍلاّ
بعد ان يولّوا وجوههم اليها عند الكتابة وعليهم التغزل بشارع المتنبي والقهوة البرازيلية
ومكتبة الأورفلي وشناشيل حيدر خانة والدجلة الام، الشاعر وليد حسين فعل هذا وكتب عن
العراق وعن عشقه الصوفي، وكتب عن الذين ضحوا من أجله، وماتوا وهم مؤمنون به، وانْ تحوّلوا
الى أشلاء مبعثرة فوق ارضه المقدسة والطاهرة، نعم يستحقون الكتابة والرثاء بشعر عمودي
رائع، ابن حسين فعل ذلك في قصيدته ( ولانهم كل العراق ص٧٩).
ردموا
بأكداس الرمال نزولاً
بمفاوز تستعظم التبجيلا
ماتوا
رجالاًمؤمنين بنهجهم
وثباتهم يستغرق التأميلا
ما فرت
النيات حين تشابكت
أشلائهم فوق الثرى أكليلا.
سنلتقي
مع الشاعر وليد حسين في مقالة اخرى وكتابه الجديد قتامة الصباح، نتمنى استمراره بالكتابة
وننتظر المزيد منه.