مـوت اضافي .. قصة / بقلم :: عادل المعموري
تجلسُ على المصطبة وحدك، بين يديك جريدة .عيناك ثابتتان بين سطورها ، إنك تشبه أبي تماما ،ربما أنت هوّ لو لا النحول الذي يرتسم على هيئتك .أتأمل فيك أمنية هاربة بعثرها رحيلك المفاجئ، وشكواي التي أبثها إلى السماء كل يوم .لن أصدق أبدا ان تتركني وترحل . لا أستعبد أنك تعرضت لعملية خطف من عصابة ضالة ، أو دهستك سيارة رعناء ، أو تمزّق جسدك بسيارة مفخخة . بحثتُ عنك في كل مكان .دوّنت إسمك في كل السفارات والقنصليات، بحثتُ عنك في المشافي و المشارح وفي المقابر لم أعثر على أثر لك . الليالي التي بكيتُ فيها عليك لا أستطيع عدّها ، حاضرة في خاطري لا تبرح مخيلتي، لمْ تشرق شمس حياتي بعدك ،انطفأ شعاع أحلامي بفراقك . ها أنت ترتدي ملابسك ذاتها وتلك القبعة الأرجوانية التي أهدتك إياها أمي وربطة عنقك وجاكيتك الرصاصي وحذاء ك الضخم كحذاء العسكر،أنا واثقة أنك تسمعني .
أمي ماتت منذ زمن بعيد .لم أتذكر وجهها الآن كما أتذكّر وجه أبي الذي أشاهده أمامي الآن .لم نعد نلتقي يا أبي .تاهت الخطوات في عتمة المسافات، بوابات حلمي موصدة، تبعثرني فوق المجرّات البعيدة ، تدخل عنوة في خراب روحي . أبي ما زلتَ مسترخيا تضع رجلا فوق أخرى ماسكا الجريدة بيديك .منذ ساعتين لم أرك تقلّب صفحات الجريدة ..كما ترحل العصافير من أرض الحب والشوق، كنتُ سعيدة وأنا أجذف معك القارب في شط العرب، كنتَ موظفاً نشيطا في مرفأ البصرة الكبير ، والجميع كان يحبك . مابال تلك الصرخة التي انطلقت من أعماقي، كيف لم تفجّر الكون عندما وصلني خبر فقدك .
أتذكر يا أبي رحلاتنا الجميلة ؟ سافرتُ معك إلى معظم بلاد الغربة وسرنا معاً في شوارعها المغسولة بالمطر .جلسنا على أرصفة الموانئ والحدائق العامة. مشينا في أزقة ضيقة وفي ميادين تزهو بتماثيلها، كم تفرّجنا على لوحات دافنشي و بيكاسو و فان كوخ. كم من معرض تجولنا فيه نحتضن تماثيل العظماء الذين عشقتهم . الصور مازلتُ أحتفظُ بها مع صورك الأخرى. على نهر العشّار ونهر دجلة و جسر الجمهورية وأبي نؤاس .
صورة كبيرة مازالت معلقة في غرفتي للمتنبي، رافعاً يديه إلى الأعلى وأنت تحتضنه، وخلفك ماء دجلة يترقرق وتلصف مويجاته تحت شعاع شمس الظهيرة . مازالت غرفتك كما هي لم أغيّر منها شيئا . كنّا ننام معا وأغفو على ذراعيك كأي طفلة.
هاهيّ الكلمات تخذلني وتتوه مني الحروف .أقف أمامك وأنت لا تحفل بي تمسك بتلك الجريدة اللعينة. هل هي أهم مني ؟ تطالعها غير مكترث بأحد .على مسار هواجسي اقتربتُ منك بلحظة تجلِِّ لأقترب منك. لحظة لايجود بها الزمان ،أ شعرتني أن أبي مازال موجودا، متجسدا أمامي بهيئة هذا الرجل.
لا أدري لمَ دموعي انهمرت وأنا اقتربك منك ؟
ياشبابيك الحزن انغلقي الآن دوني .. أيتها الشجرة التي تظّلله. ابتسمي لي كي أجلس بجانبك ،وأتحدث إليك لوحة صمت ترتسم بيني وبينك. لمَ الموت ينهب كل أشيائي الرائعة ويتركني أجتر هزائمي وانكساراتي. حييتك بتحية المساء . لم ترد،تدلّت من رأسي عناقيد الخيبة. عندما كررتُ التحية لم تنبس ببنت شفة .جلستُ عند الحافة الأخرى للأريكة التي تجلس عليها وطفقتُ أنظر إليك من زاويتي أنا .أريدُ أن أتمعّن في رؤيتك جيدا ..أدققُ في تفاصيل وجهك الجميل :
_أرجوك يا أبي رُدّ تحيتي ،أنا المرأة الكسيرة، المفجو عةُ بغيابك .
التي لا تملك غير ذكريات تجترّها بين دخان موشّح بليل هارب من ثقل الأيام . من منّا لا يحتاج إلى من يكلمه ويزيل وحشته: كلّمني يارجل وأترك تلك الصحيفة أرجوك ؟ هكذا كنتُ أكلمك وأنت ساكت لا تتتكلم. عيناك ثابتتان فوق حروفها .
خطوة واحدة باتت بيتي وبينك حتى كدتُ أن ألتصق بك . ليس لديّ خيارٌ آخر. ربما لن أراك في المرّة القادمة . ليست كل مشاويري تمر بهذا الطريق. ولا أنا ممن يرتاد هذا المتنزه بعد غيابك. مددتُ كفّي أهزّك برفق، لكسر طوق الصمت الذي يحول بيني وبينك .آه أيها الر جل العنيد .لا مبالاتك تؤلمني أنا المغرمة بك حدّ الموت ، صحتُ بك وأنا أهزُك بقوة :
_أرجوك تحدّث معي من فضلك لا تتجاهلني ،أجبني يا أبي،أرجوك تحدّث معي ؟
حينئذ رأيتُ الجريدة تسقط من بين يديك ببطء وتتكوّم عند قدميك.
تراخت يداك وترنّح رأسك ليندلق على صدرك .كان وجهك مزرّقّاً، فيما كانت عيناك مفتوحتين على اتساعهما. ثابتتان تخترقان الأرض .صدمتني المفاجأة.. لذتُ بصمتي واعتدلتُ واقفة، رحتُ أركض، أتلفّت كالمجنونة ، لا أهتدي إلى سبيل أبحث عمن يساعدني في نجدتك ..ياربِ مالهذا المتنزّه فرغ من مرتاديه؟ كنتُ أصرخُ بملء فمي، بكل ما املك من قوّة. خذلتني حنجرتي. أشعر أني أصرخ في نفق مغلق، يردد الفراغ صدى صرختي ، لا أحد ينصت لعويلي. تركتكَ مسبول اليدين. مندلق الشفتين و مضيتُ كغيمة متعَبة ودّعت آخر حبات مطرها فوق أديم أرض لم تطأها قوافل الراحلين.
.
أمي ماتت منذ زمن بعيد .لم أتذكر وجهها الآن كما أتذكّر وجه أبي الذي أشاهده أمامي الآن .لم نعد نلتقي يا أبي .تاهت الخطوات في عتمة المسافات، بوابات حلمي موصدة، تبعثرني فوق المجرّات البعيدة ، تدخل عنوة في خراب روحي . أبي ما زلتَ مسترخيا تضع رجلا فوق أخرى ماسكا الجريدة بيديك .منذ ساعتين لم أرك تقلّب صفحات الجريدة ..كما ترحل العصافير من أرض الحب والشوق، كنتُ سعيدة وأنا أجذف معك القارب في شط العرب، كنتَ موظفاً نشيطا في مرفأ البصرة الكبير ، والجميع كان يحبك . مابال تلك الصرخة التي انطلقت من أعماقي، كيف لم تفجّر الكون عندما وصلني خبر فقدك .
أتذكر يا أبي رحلاتنا الجميلة ؟ سافرتُ معك إلى معظم بلاد الغربة وسرنا معاً في شوارعها المغسولة بالمطر .جلسنا على أرصفة الموانئ والحدائق العامة. مشينا في أزقة ضيقة وفي ميادين تزهو بتماثيلها، كم تفرّجنا على لوحات دافنشي و بيكاسو و فان كوخ. كم من معرض تجولنا فيه نحتضن تماثيل العظماء الذين عشقتهم . الصور مازلتُ أحتفظُ بها مع صورك الأخرى. على نهر العشّار ونهر دجلة و جسر الجمهورية وأبي نؤاس .
صورة كبيرة مازالت معلقة في غرفتي للمتنبي، رافعاً يديه إلى الأعلى وأنت تحتضنه، وخلفك ماء دجلة يترقرق وتلصف مويجاته تحت شعاع شمس الظهيرة . مازالت غرفتك كما هي لم أغيّر منها شيئا . كنّا ننام معا وأغفو على ذراعيك كأي طفلة.
هاهيّ الكلمات تخذلني وتتوه مني الحروف .أقف أمامك وأنت لا تحفل بي تمسك بتلك الجريدة اللعينة. هل هي أهم مني ؟ تطالعها غير مكترث بأحد .على مسار هواجسي اقتربتُ منك بلحظة تجلِِّ لأقترب منك. لحظة لايجود بها الزمان ،أ شعرتني أن أبي مازال موجودا، متجسدا أمامي بهيئة هذا الرجل.
لا أدري لمَ دموعي انهمرت وأنا اقتربك منك ؟
ياشبابيك الحزن انغلقي الآن دوني .. أيتها الشجرة التي تظّلله. ابتسمي لي كي أجلس بجانبك ،وأتحدث إليك لوحة صمت ترتسم بيني وبينك. لمَ الموت ينهب كل أشيائي الرائعة ويتركني أجتر هزائمي وانكساراتي. حييتك بتحية المساء . لم ترد،تدلّت من رأسي عناقيد الخيبة. عندما كررتُ التحية لم تنبس ببنت شفة .جلستُ عند الحافة الأخرى للأريكة التي تجلس عليها وطفقتُ أنظر إليك من زاويتي أنا .أريدُ أن أتمعّن في رؤيتك جيدا ..أدققُ في تفاصيل وجهك الجميل :
_أرجوك يا أبي رُدّ تحيتي ،أنا المرأة الكسيرة، المفجو عةُ بغيابك .
التي لا تملك غير ذكريات تجترّها بين دخان موشّح بليل هارب من ثقل الأيام . من منّا لا يحتاج إلى من يكلمه ويزيل وحشته: كلّمني يارجل وأترك تلك الصحيفة أرجوك ؟ هكذا كنتُ أكلمك وأنت ساكت لا تتتكلم. عيناك ثابتتان فوق حروفها .
خطوة واحدة باتت بيتي وبينك حتى كدتُ أن ألتصق بك . ليس لديّ خيارٌ آخر. ربما لن أراك في المرّة القادمة . ليست كل مشاويري تمر بهذا الطريق. ولا أنا ممن يرتاد هذا المتنزه بعد غيابك. مددتُ كفّي أهزّك برفق، لكسر طوق الصمت الذي يحول بيني وبينك .آه أيها الر جل العنيد .لا مبالاتك تؤلمني أنا المغرمة بك حدّ الموت ، صحتُ بك وأنا أهزُك بقوة :
_أرجوك تحدّث معي من فضلك لا تتجاهلني ،أجبني يا أبي،أرجوك تحدّث معي ؟
حينئذ رأيتُ الجريدة تسقط من بين يديك ببطء وتتكوّم عند قدميك.
تراخت يداك وترنّح رأسك ليندلق على صدرك .كان وجهك مزرّقّاً، فيما كانت عيناك مفتوحتين على اتساعهما. ثابتتان تخترقان الأرض .صدمتني المفاجأة.. لذتُ بصمتي واعتدلتُ واقفة، رحتُ أركض، أتلفّت كالمجنونة ، لا أهتدي إلى سبيل أبحث عمن يساعدني في نجدتك ..ياربِ مالهذا المتنزّه فرغ من مرتاديه؟ كنتُ أصرخُ بملء فمي، بكل ما املك من قوّة. خذلتني حنجرتي. أشعر أني أصرخ في نفق مغلق، يردد الفراغ صدى صرختي ، لا أحد ينصت لعويلي. تركتكَ مسبول اليدين. مندلق الشفتين و مضيتُ كغيمة متعَبة ودّعت آخر حبات مطرها فوق أديم أرض لم تطأها قوافل الراحلين.
.
