-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

دراسة سايكوأدبية .. رصاصة عشق كافرة للشاعر " قصي الفضلي " . بقلم الأديب : د . سلطان الخضور

رصاصة عشق كافرة للشاعر  " قصي الفضلي " دراسة سايكوأدبية
بقلم الأديب : د . سلطان الخضور


     رصاصة عشق كافرة  عنوان سلخته عن جسد قصيدة  لشاعرنا العراقي قصي الفضلي - وأقول العراقي من باب التعريف لا من باب التمييز - أقول كيف لشاعر كقصي الفضلي أن يجعل من العشق يتوسط رصاصة عشق كافرة , وأحببت أن أتعامل مع كلماته بعد تجريده عن النص ، لأنه لفت نظري حقيقة كيف للرصاص والكفر أن يجاورا العشق ؟ فيخرج علينا بقصيدة عنوانها "رصاصة عشق كافرة ."
      هذه الكلمة ، كلمة عشق المشبعة بالحب والود والرقة والسمو ، كيف لها أن تتعايش مع الرصاص والكفر ؟ وكيف لها أن تستقر بينهما؟ يجاورها الرصاص من جهة والكفر من جهة أخرى . هل سيشكل الرصاص والكفر حواجز حماية للعشق ليبقى صامدا في كل الظروف .
      سأحاول أنا ايضا أن أتجرد عن كليهما ، الشاعر والنص وأحاول أن أجتهد بوضع تفسير لما كان في ذهن الشاعر حين أختار العنوان .
     أقول بداية أن عنوانا كهذا , لا يمكن أن يكون اختياره عبثيا ,  فمن المؤكد ان الاختيار كان  نتيجة لخبرة وتجربة ومعاناة أختمر كل منها في ذهنية الشاعر ، فجاءت الكلمات الثلاث مقصودة  برسمها المألوف. ربما فرضتها مفردات القصيدة ، لتعطي معنى سأحاول الاستدلال عليه قبل الولوج في القصيدة التي قاد حروفها .
      فالرصاصة وإن كانت في مجمل استخداماتها , تحمل معنى سلبيا ، نشتم منها رائحة الموت والقتل والحروب إلا ان فيها إشارة إلى الجندية والصلابة والسرعة وعدم التراجع ، فاذا أخذت على المعنى الأول فتكون قد استخدمت على نحو لا يجيز لها أن تجاور العشق ، أما إن كانت تعطي معنى الصلابة والسرعة والجندية، فيليق بها هنا أن تحط رحالها لتجاور العشق الذي كالنبي لا يمكن أن يحمل إلا رسالة المحبة والمودة والإخاء.
      لكن لو أخذنا الرصاصة على المحمل الحسن وصار بينها وبين العشق ألفة ، فكيف للجار وجارته أن يتعايشا مع جارتهما الثالثة وهي مفردة "كافرة" . وكافرة هنا جاءت وصفا للرصاصة بعد أن اتضح نوعها وهو أنها رصاصة عشق لا رصاصة موت . اذن كيف لرصاصة العشق أن تكون كافرة ؟ لماذا تكفر؟ وتكفر بمن؟
    هنا يبرز لدينا احتمالان ، الأول: أن تكون الرصاصة قد كفرت بالعشق ، بعد ان يكون هذا العشق قد خاض تجربة فاشلة ، فلم يكتب له النجاح فاستنفذ سريعا وانقضى أمره فجاءت الرصاصة لتعبر عن كفرها بهذا العشق الذي لم يستطع الصمود طويلا أمام تحديات الحياة وتقلباتها , فأعطى الرصاصة رخصة للكفر به ، والثاني : أن تكون الرصاصة تعشق العشق بقوة وتدافع . عنه لكنها كافرة بكل ما هو دونه . وأجدني هنا أميل إلى الاحتمال الأول ,  فمن أطلق رصاصة العشق كان يريد أن يعيش تجربة العشق بمعناها العميق ، إلا أنه وجد نفسه يقيم في حقل غير الذي اراد , مما أعطاه العذر ليكفر بذاك العشق ويطلق عليه الرصاصة التي كفرت نتيجة الإحباط الذي سكنها. وهنا يكون العشق حالة من الوهم والوهن , مما مكن الرصاصة الكافرة ان تطيح به , مما شكل صدمة للشاعر ولأمثاله ,  ممن امنوا بهذا العشق وظنوه واقعا سيصمد امام تقلبات الزمان .
       هذا ما نتنبأ به بخصوص العنوان مجردا . ومفردات القصيدة هي وحدها القادرة على تأكيد أو نفي ما ذهبنا إليه    
في الفقرة الأولى من القصيدة يقول شاعرنا قصي الفضلي
الصبر الأَجْدَب
يخفق في آخر نزع النجوى
ويقارع شوقي الأرعن
في كل محطات البوحْ
في هذا المقطع أيضا ،يبرز الفضلى معنى التناقض . في هذه الفقرة  يضفي الشاعر  صفات غير المتوقعة على مفاهيم يفترض أن تحاط بجو إيجابي . فالصبر مثلا يجب أن لا يكون أجدبا ، ويجب أن يكون مستمرا في الخفقان لكن ايراد عبارة آخر نزع فيها وصف  لحالة غير مستقرة خارجة عن المألوف . ولم يكتف شاعرنا بذلك ، بل عزز رأيه بأن وصف هذا الصبر بأنه أرعن ووصف حالة الرعونة , بأنها حالة ملازمة ومتكررة ومستمرة . وأراه محق في ذلك فلا يمكن لمن يمتلك شخصية واثقة ومتفائلة ومتأدبة الا أن تشعر بحالة الأنفصام العامة بين الكائن وما يجب أن يكون .

      أما الفقرة الثانية من القصيدة , فقد جاءت متفقة مع الجو العام  من حيث المعنى والتركيب اللفظي . فها هو الشاعر قصي الفضلي يشير إلى جرح نازف وأصر ان يذكر كلمة كل ليشير أن النزف عام وطام وغير مختص بعضو من أعضاء الجسد . وهذا النزف الدامي أتى على كل الأشياء مما ولد حالة استثنائية عصفت بمكونات البيئة ،وكأنها وصلت الى مرحلة قضم الذات والاجهاز عليها . (تمضغ عشب الروح)

      ويعود الفضلي ليخاطب من يقف على الضفة الأخرى ليقرر أن هناك جحود . والجحود كما نعلم دلالة من دلالات انكار المعروف .وأراه هنا وصف لحالة عشق كانت بين حبيبين ، لأن كلمة الأنفاس فيها من العمق ما يصف حالة حميمية, لكنها هنا أصيبت بصعكة فصلت بين الحبيبين ، بل وصل الأمر الى التنصل من حالة الحب التي كان فيها العاشقان يتبادلا الأنفاس (ما أقساه جحود الأنفاس ) . حالة الانفصال والجحود هذه ، هي من القسوة , لدرجة أنها أطلقت من الطرف الآخر نحو شاعرنا الف رصاصة , لم تطح هذه المرة بحالة العشق بل تعدتها لتعلن كفرها ببدايات تأسيس هذه العلاقة . وكأنها تريد أن تمسح تاريخا كان قد سطر في لحظات من التروي والسكينة، وأذهب الى أبعد من ذلك لأقول أن مسح الحكاية الأولى الذي أورده الفضلي في قصيدته هو إشارة لمحاولة مسح جذرية لكل ما يمس الحب الذي كان .فاعتلت الأنفاس وباتت عديمة الإحساس. وبات الجسد مستلقيا  بلا روح ، وكأني به يود ان يقول أن مادة الحياة التي وصفها بالعشب يتم سحقها وستمسح أثارها . وزاد الشاعر على ذلك بأن المح أنه يفقد ثقته حتى بالمستقبل (بالوعد الهارب بالإحساس) .ويعود ليؤكد أن رصاصات العشق هذه جعلت طرفي المعادلة في حالة العشق . هذه الرصاصات ما كان لها أن تصيب عاشقين لولا أنهما كانا في حالة من اللاوعي التي ساعدت تلك الرصاصات الكافرة على الاطاحة بهما فحققت الهدف رغم أن الرصاصات نفسها كانت في حالة من الهذيان , كذاك الذي يعيشه العاشقان .
نزفت كل شرايين فراقي
لحظات
تمضُغُ عشب الروحْ ..
يا أنت ِ..
ما أقساه جحود الأنفاس!
تطلق نحوي ألف رصاصة عشق كافرةٍ بالمفردة الأولى..
بحكايتنا..
بالوعد الهارب..
بالاحساس ْ
تخدش فينا ملمح قبلتنا
تقترف التهمة بالهذيانْ
فوق شفـاه حروفٍ سكرى)
    ويعود شاعرنا لوصف رصاصات العشق الكافرة مستخدما مفردة " تتسكع"  ومفردة " الخوف " ليشير الى عدم رجاحة عقلها , فالتسكع كما نعلم صفة سلبية يوصف بها الشباب الطائش الذي يسير في الشوارع دون ادنى هدف ودون ضابط من سلوك . هذه الرصاصات , لم تكن لتحقق الهدف وتطيح بحالة العشق التي كان من المفترض ان تبقى هادئة ودافئة ، لكنها لم تكن كذلك ،حيث وجدت بيئة خصبة في غياب معرفة قدرها وقدراتها , لأنها كانت ضبابية الهدف تظللها غيمة تحجب عنها الرؤيا السليمة لعلاقة أبدية .
(تتسكع في مهلة  الخوف .
تتوسد راحات غياب المعنى
والوتر الساكن في الوجدانْ
ستلوك خطايا الوقت خطانا)

     وينتقل شاعرنا في فقرته الأخيرة , لوصف حالة التمني التي يريدها لحالة العشق ، ويتمنى أن يستطيع تفعيل حالة الحب من جديد ، فالحب وان كان من حرفين الا ان يمتلك كيميائية قوية جدا . وعندما يستطيع الفضلي ان يجدد حالة العشق بمفعول الحب يكون قد حقق نصرا كبيرا وأعاد اجواء الأعراس في بيئة تتلهف اليها ، ليجعلها تنبض بالحياة من جديد ، ويكون بذلك قد أسدل الستارة على حالة الحزن التي خلفتها تلك الرصاصات الكافرة ،ويكون بذلك أيضا , قد وضع حدا لحالة من الرعب والخوف التي ورثت قهرا قد يكونا طرفا حالة العشق قد اختزنا منه ما يكفيهما لسنوات قادمة .
        قد تكون سنوات من الهدوء والتفكر التي تتغلف بالصمت ، لتكون هذه الحالة أشبه بحالة الحيادية , وهي حالة شحن ايجابية يفكر فيها العروسان بالخطوة القادمة ، ليغلقا الباب من جديد ويعودا لممارسة حالة الحب , ويفتحا بعد ذلك الباب والنوافذ ليعود ضوء الشمس اليهما من جديد , ويطلقا العنان لضوئهما كنجمين القيا بما اعتراهما من الشهب وعادا من جديد ليسطع نورهما ويبددا الظلام عما حولهما . فهل تتحقق أمنية شاعرنا ؟

هل تأتين قليلاً...(
لأزفك للروح عروساً
وعلى إيقاع النبض الأعلى
كي ينتفض القلب ويرفع رايات النصر
يغلق نافذة الأحزان ويمسح ذاكرة ..
مثقلة بالقهر
هل تأتين قليلاً
لتلوذ اللحظة بالصمت العابق بالاهات
لنعيد اللهفة للعتم الغارق
في منحنيات الضوء... ونكتب نصا من حرفين يعادل آلاف الكلمات .)
      قراءتي المتواضعة لشخصية الفضلي من خلال صوره المنشورة  ، وجدته شاعر مفعم بالطموح ، واثق الخطى ، متفائل ، يضع أحيانا نظارته السوداء، وكانه لا يريد أن يرى المشهد الذي وصف في قصيدته ،ولا يريد للمشهد ان يحدد ملامحه ليحيد نفسه عن المشهد الذي أثقلته الجراح .


" رصاصة عشق كافرة "

_________________ : قصي الفضلي


الصبر الأَجْدَب
يخفق في آخر نزع النجوى
ويقارع شوقي الأرعن
في كل محطات البوحْ
نزفت كل شرايين فراقي
لحظات
تمضُغُ عشب الروحْ ..
يا أنت ِ..
ما أقساه جحود الأنفاس!
تطلق نحوي ألف رصاصة عشق كافرةٍ بالمفردة الأولى..
بحكايتنا..
بالوعد الهارب..
بالاحساس ْ
تخدش فينا ملامح قبلتنا
تقترف التهمة بالهذيانْ
فوق شفـاه حروفٍ سكرى
تتسكع في مهلة الخوف .
تتوسد راحات غياب المعنى
والوتر الساكن في الوجدانْ
ستلوك خطايا الوقت خطانا . ,
هل تأتين قليلاً...
لأزفك للروح عروساً
وعلى إيقاع النبض الأعلى
كي ينتفض القلب ويرفع رايات النصر
يغلق نافذة الأحزان ويمسح ذاكرة ..
مثقلة بالقهر
هل تأتين قليلاً
لتلوذ اللحظة بالصمت العابق بالاهات
لنعيد اللهفة للعتم الغارق
في منحنيات الضوء... ونكتب نصا من حرفين يعادل آلاف الكلمات؟


عن محرر المقال

Unknown

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

1575333

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية