تعويذة منيرفا ... رواية للكاتبة سلمى عبد الهادي
قراءة نقدية - بقلم :حسين عوفي
كما هو معروف، فالرواية أوسع من القصة على مستوى الأحداث والشخصيات ،والأزمنة والأمكنة، باعتبارها نص أدبي سردي يمتد فيه الزمن وتتزايد العُقد، ويكن تصور الرواية مجموعةَ قصصٍ تتشابك مع بعضها البعض في نص واحد، وإن تنوعت مضامينها، كذلك يمكن اعتبارها مجموعةً للقص القصير تتصل بموضوع واحد كسيرة ذاتية لعدد من الأشخاص بينهم خيوط درامية، منها ماهو اجتماعي، ومنها ماهو تاريخي، او نفسي، او فلسفي، او عاطفي... الخ.
وانا شخصياً اعتبر الرواية من اصعب الفنون الأدبية قاطبةً،حيث تغيب الضوابط الشكلية والتقاليد الثابتة، بفدر ماهي تسهل على الكاتب مهمته فهي تضعه امام محنة حقيقية في كيفية جعلها تختلف عن نظم الشعر او كتابة مقطوعة نثريه عبر اجزاءها المتعددة وفصولها والمشاهد والأمكنه....
فالكاتب يسر دون خضوع لأعراف سائدة كما هو معمول به في المسرح، فلايتقيد كاتب الرواية بزمن محدد او مكان محدد، ولايعيقه طول او قصر، ولاتكبله قضية الاستطراد في السرد، او عدد الشخصيات، بحيث يتمكن من تجاوز وحدة الإنطباع إلى انطباعات متعددة، لكن بشرط أن يفضي الى أدب منثور وعمل متقن يقف بكل قوة أمام تحديات كل الفنون المسموعة والمنظوره وإحالتها الى فن مقروء بامتياز وبفائقية على ماتم ذكره من فنون، وفق قدرة على معالجة موضوع او عدة مواضيع تمس مشاعر القارئ العادي والنخبه، حيث يثبت أمام التنافس القوي بكل ثقة أمام ماتقدمه السينما والتلفزيون وكل ماله علاقة بالفن الروائي.
1.العنوان
:(منيرفا)..
اختارت الكاتبة سلمى عبد الهادي عنوان روايتها، وكإنها تشير إلى الممثلة المصرية المعروفة(منيرة أحمد خشبة)، والتي عرفها الجمهور خلال سبعينات القرن المنصرم عبر فيلم(انقذوا هذه العائلة)، عام1979،وفيلم(ليلة بكى فيها القمر)، ثم توالت اعمالها بنجاح كفيلم سلام ياصاحبي، وفيلم، مين فينا الحرامي، ثم اعتزلت عام 1994بعد الفيلم (قدارة)،..
العنوان هنا وهو العنصر المهم في الرواية وبوابتها للدواخل الفكرية، كذلك العامل المشوق عند التلقي للبحث ماوراء العنونة وماأخفاه العنوان منواسرار وأحداث، لذلك يجب أن لايبتعد عن موضوع الرواية بعيداً،وبنفس الوقت، يجب ان لايعطي جميع التفاصيل، فيحرم التلقي من متعة متابعة السرد واكتشاف مابعد العنوان الموحي.....
وارى أن الكاتبة نجحت في العنوان وإلى حد بعيد.
ولو قمنا بإسقاط العنوان وفق ماتضمنه من إيحاء وتلميح، سنجد ثمة وشائج متينة بين منيرفا البطلة وذات الكاتبة ومايدور في خلجاتها وماحولها.، لو نجحت بإدارة السرد الروائي وفق نسيج العائلة الذي يمثل المجتمع ايضاً بزمكانيته، ومعتقداته وثقافته،...
وقد تعمدت الكاتبة أسماءَ أعجنية لشخوص الرواية، الأم/أماليا، الأب/ماثيو، الأخ/أكسل، الجد/اليخاندرو، الملك/زوسر... الخ. ربما نجد تأويلاً لهذا الإختيار في الفصول، اللاحقة للرواية.
2.السرد الروائي :
هو الحبل الممتد بين السارد والمسرود له، والسارد يحتل الأهمية والأولوية بمكان، والمتضمن أسلوبية الحوار والصور البلاغية والجمالية، وبدون تلك تفقد الرواية بناءها الجمالي وجنسها الأدبي وعمقها التعبيري، وعلى الكاتبة أن تكون ملمةً بكل ذلك....
من خلال الجزء الأول وجدت من المناسب اعادة النظر في تركيب الجمل من الناحية اللغوية لتلافي أخطاء الكتابة، بحيث تعطي جمالاً تعبيريا يشد، القارئ، وكذلك اسماء الشخصيات، فلابد من ان تعطي الرمزية دلالاتها على ارض الواقع حين نسقذها باتجاه مايدور من احداث واقعاً.ولربما تعمدت الكاتبة ذلك لتأخذنا بعيدا عبر خيالها الى آفاق بعيدة.
ولابد من الإشارة ايضاً،الى الإهتمام بالعقدة وهي النقطة التي ترتكز عليها الرواية والأحداث معاً،وفيها تنقلب الاحداث الى الضد وتقع نهاية الصراع الدرامي وبداية الحل الذي لابد من تلمسه عبر اواسط الفصول اللاحقة، وانا اعتبر العقدة هي عنصر التشويق و الإثارة، طالما بدأ الصراع، ننتطر الصراع العكسي للحل والإنفراج، وان تجعل الكاتبة من روايتها رواية اجتماعية تُبطل من خلالها ماعلق بذهنية الواقع من خرافات الماضي، وهكذا تعطي للخيال انزياحاً بدرجة عالية من العمق السردي.
واخيراً اقدم شكري وتقديري، للدكتور مهاب البارودي على اهتمامه بمد، يد العون للمواهب الواعدة ومنها الكاتبة الرائعة سلمى عبد الهادي راجيا لها النجاح في روايتها واعمالها الادبية المحترمة.