بلا وطن
بقلم محمد الدولتلي
خطواتها الضعيفة تتقدم مرتعدة في هذا المكان الذي لا يقارن بأسوأ كوابيسها، الدخان الأزرق يغلف الأجواء، ورائحة الخمور الكريهة تنطلق من الأفواه قابضة على رئتيها الصغيرتين، أصوات الجلبة ما بين موسيقى صاخبة رديئة وانحناءات ماجنة من أجساد شبه عارية تطرب عقول غائبة وعيون شرهة.
الرعب يسيطر على ذرات جسدها الذي لا يزال أخضرا نحيلا من النظرات التي لا تشبه نظرات والدها الحنونة رغم أنها تنطلق من أناس في مثل عمره، تكاد تخترق ملابسها السافرة التي أجبرت على ارتدائها في صورة لا يتقبلها إلا ذوي الشهوات الحيوانية، المساحيق التي غطت وجهها الصغير وطلاء أظافرها اللينة التي لا تقوى على الدفاع عنها، رغم أن كل ذلك لم ينجح في إخفاء براءتها المحكوم عليها بالإعدام، ولكنه نجح في تحريك الرغبات المريضة و إرضاء العينين القاسيتين التي تدفعها بقسوة للتقدم كي تمتلئ خزائنه من أموال عبيد نزعاتهم الشيطانية.
تقدمت كورقة في مهب ريح عاتية لا تعلم الى أين تحط بها،ولا ترأف بها فتكسرها وتنهي لحظات رعبها، دارت خيالات ماضيها كما يرى المقبل على الموت شريط حياته بين ناظريه، ذكرت ضحكاتها بين أحضان وطنها الآمنة، خروج عائلتها منه طالبين اللجوء وتسليم أباها روحه على حدود الوطن، صرخات أمها وهي تنادي باسمها و اسم أختها التي أفزعتهم من نومهم قبل أن ينتزعهما تجار الرقيق مبعدين إياهم عن أحضانها، فصل جسدين نحيلين احتضنا بعضهما باحثين عن أي نوع من الأمان قبل أن يؤخذ كل منهما إلى مصيره المجهول.
سقطت من فوق الكعب المجبرة على ارتدائه دون التدريب عليه إكمالا للصورة المريضة وسط ضحكات الماجنات وصيحات السكارى، سقطت ملحقة العار بسقطتها لوطنها الجريح وعروبتها النائمة.
الكاتب / محمد الدولتلي