ولادةٌ من الذات
بقلم حسن عبدالسلام أبو دية
تقول الحكاية إنّ أنثى راقصت عتمة اللّيل لتهديَ إليكَ نبيذ الفجر فتبلغ الثمالة من بريق عينيها، وإنّها داعبت بقدميها مُويجات البحر بضحكتها الصافية، ثم غرقت في سؤال عميق: تُرى كم مرةً يولد الإنسان؟
ويقول الراوي إنّك كنتَ غارقاً في عينين تخفيان قلقاً ما، وأنك أجبتَ: أصعب ولادة هي الولادة من الذات. حينها نظرت إليك باندهاش.. ورددت: الولادة من الذات، هذا ما أحياه الآن فعلاً.
الولادة من الذات، كأنكِ فراشة أنهت دورتها وتخرج الآن من شرنقتها، فمدي جناحيك واستمتعي بالحريّة. ارقصي كصوفيٍّ وجد ذاته بعد تطواف كبير، لكن لا تبتعدي، كوني كما الموج.. يُقبّل اليابسةَ ويعود لحضن البحر.
قالت، سأسافر بعيداً، هناك حيث أرقص دون خوفٍ، وأثمل دون خمرٍ، وأملأ الجنبات بضحكاتٍ لطالما كتمت صوتها بين الضلوع.
قال الراوي: في تلك اللحظة، ودّ أنْ يضمها لصدره طويلاً، لكنّه هرب من رغبته إلى حفنة رمل فألقاها على قدميها.
لم يكونا عاشقين، لكنّهما أقرب إلى العشق، كأنهما آلاتا موسيقى متناغمتين في لحنٍ ربما جادت به نسائم الصبح، فانغمسا فيه ليغدو معزوفة كبرى. هو ذاك التوحد الذي يشبه احتضان آخر لحظة عتم لأول لحظة نور في الفجر الوليد.
في لحظة ما، كنتُ أتأمل سمرتها وكأني أرشف رائحة البنّ، وأصابعي تتفقد كلمات قصيدة بين خصلات شعرها.
على الرمل كانت بداية الحكاية، وكان الصدى يدوّي في الأعماق على أنغام أغنية تتساءل أين الطريق؟
بين نبيذ الصبح، وثمالته، كان كلّ منّا يسير مبتعداً.. وفي أعماقنا صدى السؤال، أين الطريق؟ أين الطريق؟