الصّورة الشّعريّة في تجربة الشّاعر يوسف الخالد
بقلم : الكاتبة .. سما محمد
تعد الصّورة الشّعرية ركنا مهما من أركان القصيدة فهي إبداع الشاعر في نقل تجربته الشّعرية، و تبيّن مدى قدرته في إيصالها للمتلقي ، مما يجعله يعمّق إدراكه للأشياء، فيؤثِّر ويتأثَّر معتمدا على مصادره التي يستوحي منها الصّور.
وإذا ما تناولنا الصّورة الشّعرية في تجربة شاعرنا (يوسف الخالد)
لابد من وقفةٍ تحليلية لأساليبها الفنيّة المتنوعة.
نبدأها بدراسة مكوناتها الدّاخليّة من الأساليب البلاغيّة التي مكّنته من بناء صوره الشّعرية القائمة على الاستعارة والتشبية والكناية والمجاز وغيرها.
فمن باب الاستعارة يقول:
من تجون.. يضحك الباب
وترگص ورود المزهرية
أگهويكم.. والگلب فنجان
يفوحن هيل ويغني موليّه
فتشبيه الباب بالإنسان الضاحك من قبيل الاستعارة المكنية للتعبير عن الفرح والسعادة
ومن باب التشبيه يقول:
الدمعة ... إذا ما حرگت العين
لا ما هيّه دمعه
والگلب.. لا مو گلب.. إذا حَن
وما كسر ضِلْعه
حلات الروح.. فتيله تنغزل..
للغوالي... تصير شمعة.
فالروح تشبه فتيلة الشمع فيها من العمق و التوضيح ما يجعلها قريبة من الفهم والإدراك
ومن جميل الكناية صورة الإنسان الذي يطحن تحت وطأة الواقع المؤلم في تصوير معاناته وفقره رغم كونه لبنة اساسية في بنيان الوطن وهو مصدر خيره وغناه:
إنت البلاد..
كل هاي البلاد إنت
جنديها إنت
معلمها إنت
ربيعها إنت
سنبلها إنت
وتبات ابلا عشا
وتصحى ابلا فطور
وادور الرّحه
ادور.. ادور
ولينطحن.. إنت
ويبدو الجناس ماثلا في أبوذيه رائعة نحو قوله:
اعتزلت النّاس
بخيرها وشرهه
وعلى الشينات
مالي نفس شَرهه
آنا روحي طريه
والوگت شَرهه
على حبال الجفه..
وتلولحت بيّه
ولم يفت الشاعر أن يميل إلى الاستدلال والحجّة، فمن ذلك قوله:
نسيتك…
مثل خطوة اِعلا الرّمل
مرّت الرّيح ومحَتْها
مثل ورگت خريف..
اصفرّت..
والشّجرة ََرَمَتها
و كان من رواد التّجديد؛ حيث تناول في معرض نصوصه الشّعرية بعض الأساليب الفنية الجديدة ومنها الرّمز؛
حيث استثمره الشّاعر للتعبير عن موقفه تجاه موضوعه :
اِجويدَه..
يا جوعنه... ويا خبزنه
اِجويدَه..
يا كل اللي ما توا
على دربچ من حبايبنه
بلياچ…
يغدي العمر چذبه
ويغدي الوطن.. غربه
فالمرأة الجميلة رمز للحريّة.
ويوظف القصة بخاصيّة السّرد ليعبر عن موقفه تجاه ظاهرة اجتماعية (كرة القدم) نحو قوله:
رگلها بحيل
ولما هدّت.. داسها
ورد رگلها..
ولعن أبو أنفاسها
ومن صارت بحلگ الشباك
ارتمى عليها وباسها
عجيب ..!
مرًه يضربها
ومرّه يحب راسها
فيبدع في تصوير مشهد حي وواقعي لمجريات هذه الظاهرة الاجتماعية الشيقة في أبدع تصوير.
ومن أجمل الأساليب اللغوية في شعر الحكمة التوجيهية تلك المزاوجة بين اسلوبي النهي والأمر بصورة انعكاسية جميلة فيها من التوعية والإرشاد الملم بطبيعة الحياة وكيفية التعامل مع تغيراتها وتقلب أحوالها :
لو يَبَّس لهاتك عطش ...
أبد لا تشتكي الظمه
بالإبرة احفر بير..
ولا تنطر غيوم السّمه
فهي صور تجمع بين الوظيفة التعبيريّة والتأثيريّة، فتسلط الضوء على قيم مجتمعيّة مثل الصّبر والسّعي الذي لا يساوره سأم أو ملل.
وبالإضافة إلى الأساليب التزيينيّة للصّورة تلفتنا مكوناتها الداخلية القائمة على اللغة والعاطفة والخيال،
فهو يزين المعنى؛ وذلك بتوليد رؤية خاصة لا تكتفي بنقل المعنى بل تعيد إنتاجه في صورة فنيّة جميلة تمكّن من التفاعل مع إحساس الشاعر ووجدانه :
ردت أكتبلك گصيدة..
دورت أصابعي.. ما لكيتها .. !
نسيت يوم اشعلتها شمع
وهم إنت مثلي... نسيتها..!
وفيها من الجدّة والابتكار غير المسبوق ما جعله من المتصدّرين لشعراء الشّعر الشّعبي ، يقول مناجيا:
أدور لك ..
مثل اللي
ا مضيّع بالرّمل خاتم
لا حبات الرمل يگظن
ولا لمعه منك تفز يَبنادم
وتبدو الصّور الحيّة وغير الحيّة ماثلة حاضره يستقي مصادرها من التراث؛ إذ يعمد إلى توظيف لآيات القرآن الكريم من مثل قوله:
تحضن الثلج وتنام ..
وزفير النار بعروگي
لبّستك الجوري طوگ
يَل خليت..
حبل المَسد طوگي
وكان الإنسان الركيزة الأهم فصوّره عاشقا، بطلا، ضحية ، ف حمُود مثال الإنسان المطحون الذي يدفع الثمن بينما تعلق النياشين على صدور السّفله:
يَحمود
ثوب العدل هريان
بدنياك لا تنشد اعله الحگ
كصير الخيط يَحمود..
والرگعة أصغر من الشگ
وانت برّه المهرجان
اشمالك بالرگص والدگ
كما أولى المرأة اهتمامه فهي الحبيبة والمعشوقة، وهي الأم يدلّلها النّص، ويحملها على جناح القلب العاشق الذي أعياه الانتظار:
ياوجه أمي..
الخاتلة بتجاعيدة حچايات الزمان
ياگلبها..
حتى بسنين المحل.. يمطر حنان
من عمرها..
اعطتني عمري..
وتكونت.. حتى صرت.. إنسان
وها هو الفرات مهد الطّفولة ومربع الصّبا والشّباب يناجية من شاسع المسافات يبثه شوقه والحنين :
ظمني بروجاتك ظمني
واسكيني العشگ اسكيني
يل بيك حچاية عمري
وكل الي جاي من سنيني
عطشان وجيتك متلهف
ومن أعطش وحدك ترويني
ولا تكاد تخلو الصّورة من الحكمة والمثل السائد يوظفه في القصيدة بأسلوب بعيد عن التعقيد والتبطين اللغوي يوجهه إلى شريحة واسعة من النّاس البسطاء بأسلوبه السّهل الممتنع الذي لا ينحدر إلى حد الإسفاف والابتذال :
النار ما تاكل..
إلا وهيّه شبعانه
ومن تجوع النار.. تخمد
لا تترس حلگها حطب
خلّها مثل..
وَجه المَا يستحي وأبرد
إشارة إلى حكمة شعبية معروفة (الما يستحي وجهو بارد)
وفي نهاية المطاف، لا تغني هذه الدراسة المتواضعة تجربة ثرية لشاعرنا المبدع (يوسف الخالد)
إنماهي غيض من فيض حياة فنيّة طويلة أثمرت عن هذا الفن الراقي.
✍🏻SamaMahmmad

