-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

يدٌ على الخاصرة...بقلم: جمال الخطيب

 يدٌ على الخاصرة...بقلم: جمال الخطيب


( قصة قصيرة)





قال لي : هل كنا مضطرين إلى هذا يا عائشة ! لا تدعي يديك تنفكان عن خصري .
قلت: تشبث أنت بالصبي ولا تدعه يفلت..يا الله.

( كنا قد اعتلينا ظهر الطَوف في عتم البارحة، أمسكتُ ذراعه، ولجم هو وجه الصبي على صدره..فوجم.. يدرك الأطفال الخوف فلا يبكون، لم نتبين الوجوه، ولم نحفل بالهمس المرتبك الخافت، فنحن الآن سواء ) .

البحر لا يكترث بمن على ظهره ..يعلو صوت قائد الدفة صارخا، تمسكوا بالحبال وثبتوا أقدامكم على الأرض .
( أحسست أصابع الصغير تنغرس في صدري، كان الموج يصفع وجهه الصغير محاولا سلخه عني، فيغمض عينيه، ثم يشهق الهواء بعد انحساره ولكنه لم يبكِ) .

الأقدار كالموج، تختار أناسا بعينهم، وعندما حمحم صبيحة اليوم التالي على الوجوه المبلولة الراعبة تبصق الرغوة المالحة، ظهرت بوجهها الرهيب العاري .
( رأيته يحضن الطفل بذراع ويتشبث بيدٍ كفها مدماة بحبل المركب، كنت ألف يدي على خصره ، ويداً تتشبث بالحبل.. يلتفت إليَّ، وأحاول التقاط نظراته، إلا أن الماء الغاضب يرغمني على دس رأسي تحت إبطه، كان ينادي ولكني لا أسمعه) .

يقف المركب على جانبه الأيمن كزعنفة حوت غاضب، ثم يعود ليترطم بالماء، فيخلع الأصابع الحديدية عن الحبال، ويلقي بها في اللجة، يصرخ قائد الدفة برعب، أن المركب يفقد توازنه ، عليكم أن لا تتحركوا.
‏يدور حول نفسه في دوامة الرغوة البيضاء فتطمس الأيدي اليائسة التي تصارع بلا جدوى، ثم يُنهضهُ الموج مرة أخرى كلعبة عمياء.

( غالب على نفسه لحظة ارتطام المركب بالماء، وعلا صوته، أن افلتي يدك عن خصري يا عائشة وتمسكي بالحبل بكلتا يديك، بهذا تنجين، وأنجو، سمعته بوضوح، وكنت أثق به وأحبه، تجادلنا كثيرا في الرحيل، ولكن هذه المرة كانت الغلبة لي، كان خوفه علينا من البقاء هو سلاحي ).

( أيقنت أنني سأفقد الطفل وأفقدها حين خلع الموج يدها عن خاصرتي عنوة وطوح بها، وكاد يخلعها عن المركب نفسه لولا الأقدار، فصرخت بها أن تمسك الحبل بكلتي يديها، واطمأن قلبي لذلك ..
حشرت جذع الصغير في لحظة يأس بين الحبل على الحافة ومطاط المركب، بعد ان كلت يدي، وارتخت يداه الصغيرتان عن صدري، فدعوت له.. رأيته يمد يده إلى شعر أمه المبعثر المنقوع فأحسست الأمان، كانت تغالب موجة عاتية غمرت رأسها، لكنها رفعته .. تلك كانت موجة القدر ).
‏ وداعا يا عائشة .

عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية