القصة الفائزة بالمركز الأول في
مسابقةملتقى السرد الروائي/ فبراير،2022
"من يوميات شمس"
معركة القبور، تواً عدت من بقاياها،هي زيارتي الثالثة، قُتِلَ زوجي مرة أخرى، نعم، زوجي قُتِلَ مرتين،في المرة الأولى حاول ألاّ يَقتلُ أحداً؛ فُقْتِلَ في حقيقته، تلك التي حاولت إنقاذها،في الموت الثاني هو أنْ لا تموت الأشلاء، بين الإنقاذين أحاول، أنا الأرملة الحسناء، أن لا أموت بينها.
من القائد إلى الدفان،زوجي ينهض من جديد، لم أنهض ليلة أمس لدقات على بابي، مفاصل أصابع مضمومة،ربما، اشتركت مع خاتم السبّابة في طرقات خجولة وجبانة عندالثالثة فجرا.
من القائد..حتى..الدفان..مروراً بكل المارة العابرين،أفهمتُ الجميع،بدءاً مِن قائد زوجي وصولا لدفّانه.
تنازعني نفسي عن أن أتراجع، عن أن لا أكون أنا،لكنني أنا أنا، منذ مراهقتي،ثم دخولي الجامعة، وأعوام ما قبل الزواج ،وأعوام الزواج الثلاثة تحت أزيز الطائرات،وصواريخ المدن، وصور من المعارك، وأخبار ودخان التلفاز، والعويل المشيع لجثامين ملفوفة بالنجوم والألوان الثلاث.
أسود كما الظلام،
أحمر مثل النزيف،
الأبيض مجهول، أولا مكان له
خمسة أيام بعد التحاقه، نعش مسجى في تابوت، تابوت خشب مغبر مكشوف للريح على ظهر تاكسي، لا نجوم ولا ألوان تحيط بنعش زوجي،
سائق التكسي طلب مني أجرة النقل، رجل الدولة _الذي معه_ طلب أجرة الرصاص.
هول الصدمة لم تمنح دموعي حريتها،الصرخة أبَتْ مفارقة الحنجرة.
قتيلٌ..بلا نجوم..مع أجرتين.
كدت أسأل، بكم رصاصة ياطالبني وطني؟!
بينما عيناي تحدق بكل شيء أَلآ أنني لا شيء أرى.
أعادني من اللاشيء صوت الوطن بشرطيّهِ يقول: "زوجك متخاذل..بل خائن"
دخلت في اللازمان واللامكان تماما،حُمْلِتُ إلى المشفى بوعي متبخر.
زوجي أخ أكبر لأخوين صغار،أختان متزوجتان بعيداً، الأمّ بعيدة عند الله، والأب شيخ كبير...فلا أحد غيري سيفتح الجبهة ويحارب دناءة هذه التهمة، أنا مَن لم سوف تتخاذل أبدا،وساكشف السرّ،أحبني لقوة شخصيتي وحان الوقت كي أبرهن عن صواب فكرته وحبه لي.
_ لا سرّ في المسألة، لم يطلقْ رصاصة واحدة على عدوه ، مخزنهُ ثلاثون بثلاثين كاملة.
ثم أضاف شيئاً بينما تقدم نحوي تاركاً صرير كرسيه خلفه.
أعرف أنني جريئة وساستثمر شجاعتي لإنقاذ زوجي وهو قبره.
أضاف كلمات ،مثل رذاذ يتطاير من كلب مبلل،ينفض نفسه،" أنتِ تستطعين أن تمزقي الحقيقة وسنكتب شيئا آخر!..ما تريدين!..ولكن فقط..."
لم أكن أعرف إنه كان يجب علي أن أعرف إنْ لا قدرة لي لأثبت إن زوجي كان في قمة الشجاعة حين لم يطلق رصاصة واحدة..وكما أدعى القائد الخنزير، ثلاثون بثلاثين،ولو كان عكس ذلك لَما تجشأت عناء الطرقات للبحث عن الحقيقة،تلك التي تتطلبُ ثمنا لن أدفعه أبداً،ولو دفعتهُ سأكون أنا من خذلته.ُ
قلت هذا..وقلتُ لشيخ الجامع حين أوقفته وهو في طريقه لجامعه:
" هل تستطيع أن تخبر من يصلّي خلفك أن الرصاصة التي لم يطلقها زوجي كانت تعني قمة بطولته، فشباب القرية تلك كانوا كلهم مدنيون، هل لك القدرة على أن لا تخذل الله في بيت الله، فالعدالة مبتغى السماء وأنبيائها."
مسبحتهُ حد ركبتيه،مسّد لحيته المصبوغة ،ربما بالحنّاء،هو الآخر تمتم رذاذ كلمات:" ما زلتِ في ريعان الشباب، كُفْي عن البحث عما إذا أطلق أو لم يطلق".
لا ضير، لقد نصحني بالزواج ثانية، وكان ينقصه أن يعيّن لي من ساتزوج. تركته مع مسبحته التي تتأرجح في الهواء صعوداً ونزولا.هل نسي أن تذكر الله وهو يسدي بنصائحه لي.
طرقات مفاصل أصابعه على بابي ،تلك الليلة، تفضح النسيان.
هل جلبتَ لي زوجاً شيخنا عند الثالثة فجرا.
تناثر بصاقي العنيف على وجهه كبثور بيضاء، بعض الرذاذ سال على شاربه الأصفر الغليظ نزولاً من لحيته المخضبة الآن بالبصاق والحناء، بأصابع مرتعشة مسح بثوري من على وجهه. كان ذاهبا ليؤذن للصلاة حين حدثت واقعة الرذاذ ، الشمس في كبد السماء تشهد على ذلك.
كانت المعركة حامية الوطيس بيني أنا_ الأرملة الواعية الحلوة والتي يتبعها الذباب_ وبين نفسي ،وبين الذباب أيضا.
ثمة مَن يشتهيني، ثمةمَن يحترمني، مَن يتمناني زوجة ثانية أو ثالثة، ومن..ومن..!!
كيف أكفّ عن البحث عما في القبور،والمعركة الأخيرة ساحة حربها مقبرة زوجي.
دُمِرتْ القبور،اختلطت الشواهد، شواهد بلا قبور وقبور بلا شواهد،أسماء لقبور ليست أسمائها،بعض القذائف أخرجت بعض العظام، جمجمة مَن تلك؟ ذارع مَن هذا؟ ساق مَن؟
كَلمْتهُ مرة،مرتين،في الثالثة وبين ثلاثة قبور كان وجهه وقد تجاوز الستين يبعث بهمسات شهوته، الدفان معجب بي،هيء هيء،بينما افاوضه للبحث عن عظام زوجي وجمجمته، كان يبحث في قلبه عن لحمي وجسدي، يفصل همساته المكبوتة عني ثلاثة قبور محطمة، وقبران على الجانبين بلا شواهد.
قال الدفان المعجب بي،" ساعثر على أشلائه شرط.." كي يدفنني حيةفي الخراء ، ربما أرادني قبرا ثانيا أو عاشرا، وستقام الحفلة بين القبور وغبار الموتى مع بقايا دخان المعارك.
للوقاحة ثياب كثيرة،ترتديها في كل زمان ومكان .
تواً عدتُ من المقبرة، كبدُ السماء تشتعلُ فيهِ الشمس، أشعرُ أن كبدي يؤلمني أيضا،فثمة شعور غريب وحقيقي ينتابني, "إن زوجي سَيُقْتَلُ للمرة الثالثة".
إنتهت.
* ؟؟؟**
* من القائد..إلى الدفان زوجي ينهض من جديد.../ ما يشبه عبارة سياسية " من...إلى...العراق ينهض من جديد"