شخصية من بلادي. 785
بلاسم محمد
الفنان التشكيلي الدكتور بلاسم محمد جسام ، ولد في مدينة الكوفة في محافظة النجف عام 1954. وتعلق بفن الرسم والفنون الموسيقية منذ صغره رغم معارضة والده والبيئة الدينية التي نشأ فيها ، عام 1968 انتقل الى بغداد وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة
* بداياته عندما كان في مدرسة ابن حيان الابتدائية في مدينة الكوفة ، البيئة العامة لم يكن للرسم فيها وجود، ولذلك مارس الخط العربي والرسم لوحده، يرسم بالطباشير على أبواب الخانات ..ولم يكن مقبولاً آنذاك هذا النوع من الرسم، وقد سبب له الكثير من المشاكل داخل المدينة ، بعد ذلك انتقل الى الدراسة المتوسطة وكان الاستاذ المرحوم محمد حسين جودي قد دفعه بالتشجيع ولأول مرة الى إقامة سلسلة من الرسوم البيئية للبيوت والشناشيل والمناظر الطبيعية وعرف فيما بعد أن البيئة علقت في ذاكرته ، مع كل خصائصها وأشكالها
* يقول في احد اللقاءات عن سيرته ( إنها سيرة طويلة أحببت فيها هذا العالم الذي اسمه الفن، كانت أول لوحة بمفهوم الرسم صورة شخصية كلّفني برسمها أحد وجهاء المدينة رسمت فيها يوم عاشوراء لتعلق في أحد مواكب العزاء وأصبحت يشار لي بأني فنان ، كان عمري آنذاك اثنا عشر عاماً وقد نفذتها بالألوان الزيتية، وحصلت عليها من معلمي في الابتدائية حسن كريم الكوفي، هدية لتشجيعي على الاستمرار في الفن )
* في أوائل السبعينيات كان معهد الفنون الجميلة المحطة الأولى لكل الفنانين العراقيين سواء طلبته وكادره التدريسي، نقل أساتذته خبراتهم من مؤسسات عالمية رصينة في حقل الفن منهجاً وتطبيقاً. هذا المناخ كان البداية الأولى لدخوله الحقيقي في عالم الفن وسياقه العام الذي لابد أن تأخذ حيزاً فيه، ولذلك فان البيئة الثقافية هي من تحدد توجه الفنان إضافة الى الرغبة الذاتية
* خلال سنوات الدراسة الخمس في معهد الفنون الجميلة درس في قسم الكرافيك والخط العربي ليتخرج عام 1975 وهاجر بعدها الى بلغاريا
* عام 1978 عاد إلى بغداد ليكمل دراسته الأكاديمية، حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه عاد إلى رحلة البحث وراء كل ما هو جديد ليرحل إلى ألمانيا ومن هناك تنقل بين الدول الأوروبية.
* عمل في مجال التدريس لسنوات طويلة كما عمل في صحف عربية وأجنبية لأكثر من 15 عاماً ، ونشر العديد من البحوث والدراسات في مجال تصميم الـ (كرافيك ديزاين). ويعد الفنان العراقي بلاسم محمد من منظري الفن وناقديه ولديه مجموعة من الكتب والمؤلفات التي تعد من أهم مصادر الفن لدى الدارسين .
* درسه أساتذة الفن العراقي المعروفين والأكثر حضوراً في المشهد التشكيلي، وقد تبلورت رؤيته للفن، وهنا كان التنوع التشكيلي يأخذ مداه، في التصميم الصحفي والخط العربي والرسم معاً، وبدأت مشاركاته في المعارض الفنية في العراق وخارجه، وهكذا صار الفن الجزء الرئيس في حياته وتفكيره
* كتب في الفنون الإسلامية رسالة الماجستير ومن ثم دراسته للدكتوراه في النقد الفني ..هذه الرحلة لابد إنها أثرت في تكوينه الفني .
* تأثر بأساتذته في بداية المشوار، أوّلهم الفنان الكبير محمد مهر الدين ثم رافع الناصري، بعدها بالأستاذ فائق حسن، وكل له اتجاهاته في الفن، لكن تبلورت طريقته بعد رحلة من البحث في الفن العالمي ولما سمي باتجاهات ما بعد الحداثة، كان معجباً بالفنان الاسباني تأبيس والاميركي روشنبيرغ. ومن خلال التصنيف المدرسي لا ينتمي الى مدرسة بعينها، لكن يمكن القول بأنه في خط التعبيرية، تلك المدرسة التي تحاور منابع الروح الانسانية وإشكالاتها، لذلك فان التعبيرية الخيالية جزء من تفكيره وإنتاجه رغم خصوصية أسلوبه الفني.
* في احد لقاءاته اتحدث عن النشأة المدرسية والتعلم والخبرة يقول ( حين توفرت لي فرصة للعمل وأنا طالب ، ففي المرحلة الثانية من دراستي علم 1972 كانت صدرت مجلة مجلتي والمزمار للأطفال وتم اختياري كأحد العاملين فيها في القسم الفني ، حينها التقيت بكبار الرسامين العراقيين – صلاح جياد ، فيصل لعيبي، طالب مكي، وعبد الرحيم ياسر، وحسام عبد المحسن والقائمة تطول ليس هنا مجال لذكرها، تعلمت من هذه النخبة الكثير وبدأ مشواري في البحث في عالم لم استطع بعد فك أسراره فأخذت أقلد كل ما يقع في يدي من رسوم عالمية ومحلية في محاولة مني للتدريب الأولي على مقاربة أسلوب بدأت تتبلور خصائصه وأشكاله
* كانت "مجلتي والمزمار" الخطوة الأولى في عالم التصميم الصحفي له ، تعلم فيها بعض أسرار الإخراج الصحفي ، ولأنه كان يجيد الخط العربي الذي درسه على يد الاستاذ الكبير (هاشم البغدادي) والذي أضاف الى التصميم خبرة أخرى في معرفة شفراته وتكويناته الإخراجية وتوفرت حينها فرصة العمل في الصحافة لوضع خرائط تصميمية لبعض الصحف ( جريدة التآخي والعراق والجمهورية والتراث الشعبي ومن ثم مجلة ألف باء ) وغيرها الكثير وتبلورت رؤى وأفكار بتأثير أستاذه (ناظم رمزي) الذي دلّه على مجاورات فنية اخرى في حقل الطباعة وهو المجال المكمل لمعرفة أسرار التصميم وأحد أهم أدواته .وهنا بدأ النزوع الى التجديد حين عمل على وضع بعض الحروف الطباعية لأول مرة في الصحافة العراقية التي سبقني في بداياتها الكبير ( محمد سعيد الكار ).
* بعد تراكم خبرات الرسم والتصميم والطباعة والخط العربي لأكثر من عشر سنوات من العمل بدأ يفكر في دخول عالم صياغة الإعلان ، وحينها لم يكن هذا النوع من الفن قد أخذ حيزاً مهماً في الإخراج وهو قائم على حرفية بسيطة ..كانت البداية في الدار الوطنية للنشر والإعلان الذي عمل فيها مع مجموعة من الفنانين ، و كانت الحافز في الاطلاع على تجارب فن الإعلان وإخراجه
* أول إعلان صممه ونفذه في ملعب الشعب وهو نوع من الإعلان المتحرك الذي يرفعه الجمهور، ثم تلاه بعض الإعلانات التي تنشر في الصحف وإعلانات الأفلام السينمائية لدور العرض. وفي هذه الفترة أيضاً افتتح معمل للإعلان الضوئي ( الميناء ) الذي وفّر له الفرصة للعمل في حقل جديد للإعلان الضوئي ، وهنا استثمر طاقته الفنية وخبرته في أسرار الفن بفروعه وأجناسه
* قرر مع مجموعة من الفنانين أن عململوا في مجال التصميم والطباعة والبوستر والعلامات التجارية للمؤسسات وصناعة علب التغليف والتعبئة لسد حاجات سوق العمل الصناعية والتجارية وكانت تجربة إنشاء مكتب ( ادد ) للتصميم والرسم مع أربعة فنانين ( علي المندلاوي رسام الأطفال المعروف وعبد الرحيم ياسر فنان الكاريكاتير والتشكيلي ثم المنفذ والفنان سهام كوركيس ) المكتب هو الأول لتأسيس فن لم يولد بعد في العراق ثم أخذ في التوسع عندما عمل فيه على صياغة شعارات المصارف والشركات المهمة والمنتوجات التي كانت متداولة في الصناعة العراقية والعربية
* أصبح هذا المكان منتدىً ثقافياً للفنانين والأدباء لعمل أغلفة الكتب والبوسترات الخاصة بالمعارض التشكيلية والعروض المسرحية وغيرها وفي منصف الثمانينيات تحول مكتب (ادد) الى مطبعة وقسم للتصميم والرسم ( ايكال ) التي تبنت عمل المطبوعات التجارية والفنية ، وبمراجعة لتاريخ الإنتاج العراقي في مفاصل التصميم فان لهذه المؤسسة حضوراً في تطور التصميم الطباعي
* بعد عام 2003 بدأت كل مفاصل الانتاج بالتوقف ومنها ايكال ، لكن مسيرته في التصميم استمرت ليجز أعمال ذات حضور في مفاصل المجتمع منها الثقافي في إخراج الكتب لمؤسسات النشر العراقية والعربية والأجنبية وعمل تصميم البطاقة الوطنية الموحدة ثم عكف لتصميم جواز السفر العراقي بطريقة أكثر حداثة وأخراج مئات الشعارات للجامعات والمؤسسات العراقية والعربية .
* شارك في أغلب معارض الفن العراقي في الداخل والخارج في ( تركيا والهند وباريس ولندن ونيويورك ودبي وألمانيا والأردن وبيروت والمغرب وغيرها ) .
* أقام سلسلة من المعارض الشخصية في داخل البلد وخارجه، وتحت مسميات مختلفة ..الهجرة الى الواقع والصمت الأحمر والعبق المهجور .
* صدر له
- الفن التشكيلي قراءة سيميائية في انساق الرسم
- الفن المعاصر اساليبه واتجهاته
- الفن والعماره
- الفن والقمامة .. تبدل الذوق الجمالي
- الجرافيك .. جماليات التجنس الرقمي
- عزلة الفن في الثقافه العراقية
- تاويل الفراغ في الفنون الاسلامية
- شغب الفن .. القبول والرفض
* كتب عنه الاستاذ الدكتور علاء بشير يوم وفاته ( اعلم آنك الان لن تقرأ ما اكتب اليك يا ابا سارة ، لكن سأقرأها لنفسي كل يوم .اليوم فقدت فيك الوفاء والشهامة والامانة والمروءة . وفقدت فيك الصديق الصديق . قبل يومين اتصلت بي لتعزيني بوفاة اختي وذكرت ام سارة وكررت اكثر من ثلاث مرات كلمة ان فقدان من تحب اكبر كارثة . وقد صدقت . طيب الله ثراك ورحمك برحمته الواسعة وادخلك جناته والهمنا نحن محبيك واهلك الصبر الجميل . اعدك ستبقى معي ما حييت )
* كتب عنه الدكتور حسين علي هارف ( يا الفجيعة !رحل عنا حبيبنا بلاسم دون وداع .. خسرناه صديقا و زميلا و فنانا و عالما جماليا كان يناضل من اجل جمال مدينته بغداد و يسعى بكل قوة و صرامة من اجل الارتقاء بكليته و جودتها العلمية .. كان حاضرا في المؤتمرات و الندوات و المنصات العلمية ليدلو بدلوه المليء بالمعرفة و الجمال .. في الشهور الاخيرة كانت المنصات العلمية لكليتنا و كلية فنون جامعة القادسية تجمعنا .. كنّا نتوق الى سماعه محاضرا او معقبا او متداخلا.. ليتحفنا بما ننتطر منه )
توفي رحمه الله في 10 نيسان 2021