قراءة #سليمان جمعة في نص "شرود"
للأديبة #صديقة علي
شرود
كعادته، يستدعيني من المطبخ؛كي أجيب على هاتف يرنّ بإلحاح،
أجفّف يديّ، وأنا أرمقه بلوم ... حتى أنّه لا يرفع نظره إليّ ... غارقا في جريدته، يرشف قهوته الباردة بهدوء مستفز.
_آلو ..آلو
ـ ..نعم
ـآسف سيدتي ..أنا والد جورج ..آسف للاتصال في هذا الوقت المبكر
تدفقت الدماء في وجهي، يتسارع نبضي،غمامة تشوّش نظري، جفاف يعيق كلماتي،
ـ سيدتي؟ ... سيدتي؟ أردت فقط الإطمئنان على ولدي إن كان في ضيافتكم .. منذ البارحة وأنا ابحث عن رقمكم.
ـ نعم سيدي هو نائم مع ابني أحمد . ...
سيدي!؟ ... لا أدري إن كنت قد قلت هذا أم لا.
كان ابني مرتبكا وهو يشرح لي أنّ صديقه سيبيت عنده
ـ ليلة فقط ليلة فقط يا أمّي فهو مطرود من بيته، ..والده شديد الغضب والقسوة.
الفضول دفعني لانتظاره ... ولما دخلت عليهما .. عقدت الدهشة لساني، شعرت أنّ قدماي ماعادت قادرة على حملي، اتكأت على الباب القلق
ـ أمّي هذا صديقي جورج ...أعرّفك ماما ..
ـابن من أنت يا بني ... ؟
لا تجب .. فأنا عرفتك ... بشعرك الأسود اللامع المسرح إلى الوراء، بجبهتك العالية، بسواد عينيك بشفتيك النبيذيتين ...بسمرتك الآسرة ...نعم تذكرتك .. بحاجبيك المعقودين
ياعاقد الحاجبين ...على الجبين اللجين ..إن كنت تنوي قتلي قتلتني مرّتين
وتضحك ...نعم كنت تضحك كلما غنيت لك ...
أمي .... أين شردت صديقي يكلمك
ـأها ...نعم... نعم أنا معكما .. متى عدتم من الغربة. ؟
ـ عدنا؟! .
نعم أمّي عادوا منذ سنتين مع دخولنا الجامعة لكن كيف عرفت ...؟ لم أكلّمك عن هذا من قبل؟
ـ كيف عرفتُ ..؟
ـ تسافر ...؟
ومايبقيني في بلد يجرم عشقي؟
ـوأنا! ؟
أنت ستبقين آلهة العشق .. قيثارة ليلي ... نبضي الذي احيا به ..لا تبكي...هذه هي أقدارنا الظالمة.
ـوأنا ... ؟
ـ ستنسين ..
أمي ... كعادتك دائمة الشرود
صديقي لا يحب البطاطا المقلية أرجو أن تحضري لنا العشاء بدونها.
ـ هل يوجد شاب لا يحب البطاطا المقلية ...؟ يقال انها ترفع هرمون السعادة.
ـأنا ... لا أحبها، أحبك انت... سعادتي أنت ...
ـ أمي... أمي ... توقظني يده وهو يربّت على كتفي ..
حتى سعادتي بالسرحان يستكثرونها علي
أغادر غرفته تسابقني دموعي ...
ـالله لا يحرمك هذه العادة ...ذهنك شارد كعادتك؟ ...اغلقي سماعة الهاتف جيدا يا امراة .لم تقولي لي من المتصل!
ـ ماذا تقول .. ؟ أها ...المتصل .؟هو ...هو شخض أخطأ الرقم.
حياة الفكرة الافتراضية مجتمع له علاقاته .
ولها ملامحها الثقافية الخاصة .
تلك الحياة/النص.. شكلتها رؤية وموقف ..
فهل نبدأ من عتبة العنوان
شرود
فنبحث عن معناه المعجمي؟
ذلك المسلك فيه معيارية ستتحكم بتأويل العلاقات؛
ونكون قد أضعفنا دور السياقات النصية باعتمادنا معنى ثابتا غير ناطق .
لنتعرف على المعنى اذن في معجم النص الناطق.
من هم الشخصيات التي تتحرك في مجتمع الفكرة ؟ وما هي الفكرة التي تشكل روح الذات الجمعية للمشاركين فيها؟
الفكرة هي حياة المفارق لعشقه في بيت الزوجية
وهي ايضا العشق الممنوع ...بين مختلفي الدين ..
فهي اذن شخصية ثقافية
تحرك الاشياء في النص وتمنحهم روحها وكذلك هي متلبسة آنية الحركة في الشخصيات وتفكيرهم العميق التي يظهر ترميزا حدثيا.
والشخصيات هي :
الزوج
والدة احمد وهي الزوجة و هي العاشقة المفارقة لعشقها.
والد جورج وهو العاشق المفارق ايضا عشقه .
والابناء هم جورج
واحمد
اما الزوجة والدة جورج فمغيبة عن خشبة المسرح.
لنبحث في سيرة كل شخصية كيف تعيش حياة هذه الفكرة في علاقتها بغيرها من أسرتها؟
علاقة الزوج بزوجته:
يعاملها كخادمة .."كعادته يستدعيني كي أجيب على الهاتف الذي يرن بإلحاح"
يأمرها أمراً بقرينة الإستدعاء..وذلك هو نمط مستمر ..بقرينة كاف التشبيه ..اي حال تكون حين تكون العلاقة معها ..
وهو يتصرف باستعلاء وهو مستفز يستدعيها ولا يلتفت اليها..
اما علاقته بالاشياء فهي استغراق اي حميمية .."غارقا في جريدته ".. ومع قهوته يتناولها باردة وبهدوء .مما يتناغم مع طبيعته غير المكترثة بمن يخاطب ..ويتجلى ذلك في نهاية حركة الفكرة ..
فهو يدعو عليها بالا تبارحها عادة شرود الذهن ..فيناديها : يا امرأة ..اقفلي التلفون جيدا .. من كان المتصل ؟
فنداؤه يا "امرأة يعتبرها غريبة عنه ..وطلبه ان تقفل ..جيدا ..لتثبيت انها فاقدة لرشدها وتعيش في ذهولها ..
لماذا يسلك معها هذا السلوك...تلك فجوة على القارىء ان يملأها .
هذه العلاقة مع الزوجة يقابلها علاقتها معه ..فهي عندما يستدعيها "ترمقه بلوم "
ذلك السلوك يقول انها غير عدائية نحوه وهي تطيع النداء ..ولكنها لم تخبره او تفصح له عن هوية المتصل ..فادعت انه شخص قد أخطأ الرقم..وذلك لسببين احترامها لبيتها وله
وعدم كشف امر ذهولها فذلك من خصوصياتها العميقة .
فعملها في المطبخ علامة انها لا تهمل بيتها واستجابتها لاستدعائه وعدم افصاحها احتراما له ولخصوصية قد حافظت على ان تخفيها ..وهذا سيظهر بعلاقة ابنها معها .
فالابن احمد يرجو أمه ان تقبل استضافة صديقه جورج المطرود من بيته بسبب عصبية والده .. ويربت على كتفها ويكرر نداءه لها ب امي امي ..فهي سيدة المكان ..
واحمد يفصح النص لنا من بعيد ان علاقته ب جورج تمت في الجامعة اي جمعهما مكان واحد فتعارفا وتصادقا ..ولا يعرفان بالعلاقة العشقية ..
ما هي علاقة العاشقة بوالد جورج العاشق القديم لها.
نتعرف على ذلك من كلام صمتها مع نفسها ..
وصل اليها صوته من خلال الهاتف .. الصوت استحضره كأنه امامها..فتدفق الدم ..وسرعة النبض وجمود اللسان.. عرفته من صوته ..وعندما شاهدت جورج اندهشت فصورة الاب تماهت بصورة الابن فاستعادت الاب بصريا ... واعادته الى المكان الذي شهد عشقهما ..والعشق حال من الحب عميق في الروح .. فهو قد هجر المكان لان اهله قد جرّموا او حرموا هذا العشق لاختلاف الدين بينهما ..
فهي كانت تغيب ذاهبة اليه ويفقد جسدها حركته .. وهي تستعيد الحال التي وضعها فيها قبل ان يسافر مهاجرا ..فأسكن ذاكرتها ..انها قيثار ليله ..وآلهة عشقه.
كانما ذا السكن استسلام للعشق او الدخول فيه من جديد او لتقول انه لم يغادرها فهو يعيش في داخلها او له فضاؤها الروحي..
هي تعيش مع زوجها عيشة الأمر الواقع ..فتمنحه كل شروط الواجب..الذي عليها.
اما العاشق فلم يتعرف عليها من صوتها ..تلك مفارقة غريبة لا تفسير لها ..وهو قد خاطبها بكل لياقة ..ب سيدتي سيدتي وهي كذلك نادته ب سيدي ..وقد كان يفتش عن رقمهم ..وهذا دليل وعلامة انهما لم يكونا على تواصل ..ولفظه "رقمهم" دليل على انه يقصد بيت الاسرة ..
ولكنه في حال يعيش عصبية فقدانه لعشقه.
النص لا يعالج سبب الفراق والمنع انما يبين ويشكل حياة ما بعد الفراق . تكاد تفصح ولكن تبقى غامضة في تساؤل احمد ..كيف عرفت انهم قد سافروا ..فسكتت وشردت .. وفي فضولها لرؤية جورج..وعندما اطلقت دموعها وهي تغادر غرفته..فنسبة الغرفة الى جورج تبين شدة استغراقها في الحال العشقي.
فالعاشقة حاصرها حبها فسكنت في حصارها ..وسلكت حياة فرضتها ثقافة المجتمع باحترام دون ان تخونها .. ..
ولكن ابنها وابن من هاجر تعارفا كانهما صدى لذلك العشق وقد ظهر فيهما لنقاء الحب وأثره..لكأنه فعل وراثة.
وما الشرود الذي عاشته الا نوافذ صوفية روحية به تخترق حصارها ...
وقد بين النص ذلك في اتهام الزوج والابن ..في مفردة .."كعادتها" .. في ان تشرد.
اذن اشتد عليها الشرود لحضور الاسباب وهي الاتصال وحضور الابن جورج ..
فهي ترفض اتهامهم ..وقد عبرت عن ذلك الحصار ب ."يستكثرون علي السرحان"..
ف "واو الجماعة" علامة على الحصار من مجتمع له ثقافته الثابتة ... ..وهو بهجره المكان واتصاله قد قتلها مرتين كما رددت بسرها ..
صدى لما كانت تغني له.والقتل هو سبب في الغرق في شرودها ..والقتل هو الحجز والحصار والابلاس.
ما هي الرؤية التي اراد النص ايصالها للتغيير ؟
الرؤية هي في مضمون الشرود ..اذ العشق يظهر الحياة سلاما واجمل ..وكذلك في سلوكها اذ ان الذي يحب لا يخون ..ويجعله الحب مسالما .. لا يسيء للاخرين.
ان معالجة الزواج المختلط مجاله في الشرع والفقه والتغيير يكون بقراءة التراث قراءة جديدة .ليس هنا مكانها...اي لم تنشأ هذه القصيصة لذلك...
فهل يلمح النص ايضا على اشكالية معقدة ألا وهي
الفصل بين الحب و مؤسسةالزواج؟
هل يسمح المجتمع بالافصاح عن العشق خارج مؤسسة الزواج..؟
شرود
صديقة علي
كعادته، يستدعيني من المطبخ؛كي أجيب على هاتف يرنّ بإلحاح،
أجفّف يديَّ، وأنا أرمقه بلوم، حتى أنّه لا يرفع نظره إليّ، غارقًا في جريدته، يرشف قهوته الباردة بهدوء مستفز.
_آلو ..آلو
ـ نعم
ـ آسف سيدتي ..أنا والد جورج، آسف للاتصال في هذا الوقت المبكر ..
تدفقتِ الدماءُ في وجهي، يتسارع نبضي،غمامة تشوِّش نظري، جفافٌ يُعيقُ كلماتي.
ـ سيدتي! سيدتي! أردت فقط الاطمئنان على ولدي إن كان في ضيافتكم... منذ البارحةِ وأنا أبحثُ عن رقمكم.
ـ نعم سيدي هو نائمٌ مع ابني أحمد.
..سيدي! لا أدري إن كنتُ قد قلتُ هذا أم لا!
كان ابني مرتبكًا وهو يشرحُ لي أنّ صديقه سيبيتُ عنده:
ـ ليلة فقط.. ليلة فقط يا أمّي فهو مطرود من بيته، والده شديد الغضب والقسوة.
الفضول دفعني لانتظاره، ولمّا دخلتُ عليهما، عقدتِ الدهشةُ لساني، شعَرتُ أنّ قدميَّ ماعادتا قادرتين على حملي، اِتَّكأتُ على الباب القلق.
ـ أمّي هذا صديقي جورج..أعرّفُكَ ماما ..
ـ ابنُ من أنت يا بني ؟
لا تُجِب، فأنا عرفْتُك بشعرِك الأسودِ اللامعِ المُسرَّحِ إلى الوراء، بجبهتِك العاليةِ، بسوادِ عينيكَ بشفتيكَ النبيذيَّتينِ، بسُمرتِكَ الآسرة، نعم تذكَّرْتُكَ. بحاجبيكَ المعقوديْنِ
ياعاقِدَ الحاجبينِ على الجبينِ اللجينِ إنْ كُنتَ تنوي قتلِي قتلتني مرّتين
وتضحكُ، نعم كُنْتَ تضحكُ كلما غنّيتَ لك.
أمّي، أين شردْتِ! صديقي يكلِّمُكِ
ـ أها ...نعم... نعم أنا معكُما .. متى عُدتم من الغربة ؟
ـ عُدنا!
- نعم أمّي عادوا منذ سنتين مع دخولِنا الجامعة، لكن كيف عرفْتِ؟ لم أكلّمْكِ عن هذا من قبل؟
ـ كيف عَرَفتُ؟!
ـ تسافر!
- ومايبقيني في بلد يجرّمُ عشقي؟
ـوأنا!
ـ أنتِ ستبقين آلهة العشق قيثارة ليلي.. نبضي الذي أحيا به، لا تبكي، هذه هي أقدارُنا الظالمة.
ـوأنا !
ـ ستنسين.
أمّي، كعادتك دائمة الشرود، صديقي لا يحب البطاطا المقلية، أرجو أن تُحَضِّري لنا العشاء بدونها.
ـ هل يوجدُ شابٌّ لا يحبُّ البطاطا المقلية؟ يُقال أنّها ترفعُ هرمون السعادة.
ـ أنا لا أحبها، أُحِبُّك أنتِ... سعادتي أنت.