إدمان
محمد جبر حسن
قصة قصيرة
لا يهمهُ ما يجرى في جهات العالم الأربعة..
ولا يعيرُ إهتماماً لمشكلة هبوط الأسعار، أو صعود الأسهم في المضاربات المالية العالمية، ولا يهتم لأخبار انقلابات العسكر في دول العالم الثالث، ولا مسرحيات الديمقراطية التي يتم تمثيلها على مسارح الدرجة الثالثة، ولا يشغل نفسه بكثير من الأُمور، حتى لا يهمهُ متابعة الدوري الاوربي او المسلسلات التركية الطويلة..
كل ما يريدهُ هو ان يكون في مكان آخر، لا ينتظر مَن يعبر معه الى الضفة الأُخرى!
يفضل العيش وحيداً، ويعتبر ذلك هواية تُميزه عن الآخرين!
لكنه في الوقت نفسه مهووس بعلاقات غير ملموسة، افتراضية.. خيالية.. لا يعرف إن كانت ايجابية أو سلبية، علاقات عابرة عبر شبكات المفروض أن تكون للتواصل والتي هي بدورها غير واضحة بما يكفي، ربما السلبي منها إنها قطعت ألسن الكثير من الناس وجعلتهم لا يتكلمون، حتى ان اصواتهم خفتت وصارت أقرب للهمس، جعلتهم مدمنين حتى في خيالاتهم، تلك التخيلات المريضة التي تحولت الى ظنون قاطعة، وأن ما يعتقدونه هو الصحيح، خيالاتهم جعلتهم يظنون ان الكون متوقف عندهم وعند آرائهم ومواقفهم حتى وان كانت خاطئة!
بالنسبة له كان ينزعج من هذا الأمر كثيراً، لأنه يشك بأن التسابق معهم في هذا الجحيم المتراكم ببركانه وحممهِ غير ذي جدوى، فيرجع في آخر الليل مخذولاً قابضاً الريح بكفهِ بعد حوارات خرساء!
في عزلته كان يردد هذه الكلمات:
- كنتُ أحب المطر حينما ترسم قطراته دموعاً تختلط مع دموعي.
- أفضلُ الوحدة التي تنجيني من المتطفلين.
- صديقي الوحيد هو (أنا) الذي لم يكتشفه الى الآن أحد غيري..
ووفق رؤيته تلك يحاول جاهدًا أن يفتح نافذة على قلبه ليرى!
لكن لا أحدَ هناك!
وهذا ما يبقيه طول الوقت يفكّرُ كثيراً وكثيرًا..
يحاول ان ينسى صوت المطر الذي يلازم مخيلته طول السنة!
يتذكّر انه دائما ما يرجع مخذولاً مكسورًا
فيضطر حينها الى غلق باب غرفته متطلعا الى صوت الحقيقة، متمنيا الحضور في مكتبات ومعارض ليس فيها كتبٌ ملغومة بأفكار هدّامة، يفكّر دائمًا بأن يدور ويدور على كل مهرجانات الارض!
ويفكّرُ بصاحب المكتبة الذي لا يحمل أية اجهزة إدمان!
تذكّر أيضاً كلامه في آخر مرة عندما طلب منه كتاب جديد:
خُذ ياصديقي..
اقرأ.. اقرأ لا تخذلني
فأنا مازلت في منتصف الجهات الأربعة،
ومازالت الأرض تدور حولي !
والمدمنون يضحكون ويضحكون،
لا أحد منهم يقرأ
ولا ينطق بجملة مفيدة!
انتهت.