الفصل الأجمل في الحكاية
لم تكن فقط شاشة تلفاز تنقل لي الفصل الأعذب من الزمن الجميل , فمنذ عقود وأنا أحاول أن أتخلص مما فرضته عليّ تلك المشاهد من حنين لا يبرح مكاني حتى لهنيهة من الوقت .
يستفزني الفستان المكشوفة أكتافه وكنت لا أملك الجرأة على القول بأن الحرية تروقني في مختلف أشكالها خوفا من أن يطلقوا عليّ لقب طائشةٍ لم تعد تصلح لتكون زوجة في هكذا عالم ظاهره ينعم بالفضيلة وباطنه كما ليله يخفي الكثير من الحكايا التي تنتهي ببزوغ فجره أو ببضع قروش تحت وسادته.
كانت تجذبني السهرات الراقصة الغنية بالتفاف اليد على الخاصرة في رقصة مطوّلة يسودها وهج الحب والاعتراف به تحت سحر ضوء خافت يدني الخصر أكثر فأكثر في شوق مطوّل لقُبلة يمنعك الحضور من أخذها فتقتنصها عند انقطاع الكهرباء ولو لبضع ثوان.
انتميت كثيرا لملكة حكمت ببسالة ونزاهة بين شعبها حتى عشقها وتدافع عليها المحبون لدى بابها من كل صوب فلقد كانت تمتلك الجمال والقوة معا.
إلا أنّ قلبها كان صعب المنال لا يمسه إلا رجل يعلم كيف يسطر الحب على كفيها ,يقنعها دومًا بأنها امرأة فاتنة ولو أحاط بها رجال الأرض ومن ثم يغزل من قُبلته قصيدة ليلية تلجأ بها لأحضانه وتنجو معه رغم جبروتها .
كما الحروب التي تنتصر فيها الشعوب ليعم السلام من بعد فقر مدقع أحلّ بالبلاد والعباد هنا وهناك , كنت أنا في دور المحارب الليلي المتخفّي بين الأزقة ليرسم ابتسامة على وجه أول فرد من سكان الحي عند خروجه لالتقاط رزقه فيجده مهرولا مني إلى عتبات بيته .
كنت أنا في الكثير من شوارع مصر القديمة ,وشاطئ الاسكندرية وجاردن سيتي, أو مثل تلك الفتاة التي تمرّدت على عائلتها فاتّجهت للتمثيل أمام بطل لا ينتهي الفلم إلا وقد عشقته ,أو كمغنية على مسارح عظيمة تبكي الجمهور لعذوبة صوتها حضورها الملكي الملائكي .
كنت أنا في الأندلس ,أعزف أجمل الألحان لقصائدي وأستقبل الشعراء على وقع مبارزتهم بالأحرف وأزور أعظم المساجد وأقرأ السلام على الكنائس .أتغنّى بأمجادنا وسطوتنا حين كنا نخلّص الأهالي من مراسم العبودية القديمة . كنت أنا حين عبرت المضيق إلى المغرب ومررت بالخضراء لأنعم بدفء أهلها . وأنا حين أحببت ذلك الأسمر بعد محاولاتي الكثيرة لإقناعه بالذهاب إلى أندلسي لكني رحلت وحيدة يرافقني طيفه في السفر....
كنت أنا في ملهى ليلي أعوده لاحتساء بعض الخمر على بار يعج بالسكارى الراقصين ,الموجوعين من حياة تلفظهم خارجها دون مأوى .أستمع لحكاياتهم الممتلئة وجعا وأحاول أن أخفف وطأة الألم على صدورهم لينجوا جميعا وأغرق أنا.
كنت أنا حين بحثت عن الله في عينيه وتمنيت أن تجمعنا سجادة صلاة, فراش وطفل في بيت المقدس .
وكنت أنا حين مررت بعكا وسورها العظيم ومارست فلسطينيتي تحت سمائها بنرجسية متقنة فلم أعد أرى بني صهيون فيها حينما تعرّت من معالمهم البذيئة واحتضنتني ,فكان المشهد الأخير على حدود فلسطين لكن يد أمي تكفلت بإنهاء عالمي فعدت معها إلى أطراف المخيم حيث يعاود اللجوء نهشَ روحي حاملة حنيني وجميع أحلامي.