شتات الغربة والاغتراب في رواية (ثمرة الإله) للروائي العراقي وحيد ابوالجول
قراءة / زهراء ناجي
عنوان الرواية /
(ثمرة الإله) ثمرة/ يقصد هو كل حمل للشجرة’، وثمرة الجهد نتيجته أو الفائدة منه الإله/ كلما اتخذ معبوداً بحق وهنا جمع الكاتب الكلمتين لتكون عنواناً لروايته اراد ان نبحث بما وراء النتائج وجودنا الإنساني بحد ذاته بعيداً عن أي قومية أو عرف أو دين وفي اي بقعة على الارض اختار الكاتب عبارة لـ (شارل بودلير) ان تكون بداية لفصول روايته الاحدى عشر فصلا (بكل هشاشتك لا يحق لك أن تميل لأنه ثمة من يتكئ عليك)، الهشاشة التي تملأ الروح لتجعلها تشعر بالضياع، وهذا ما طرحه الكاتب في روايته الهجرة عن الوطن وقلع الجذور والاصول التي وضعت للروح اساسها فبرغم هذه الهشاشة هناك من يتكئ عليها، الماضي وذكرياته في رحلة الغربة من العراق وصولاً الى امريكا وتناقلت رؤيته ومعرفته للأشخاص خلال هذه الرحلة وتسلسل الأحداث المترابطة لتصف الشتات والتبعثر رغم النجاة بالحياة والاستقرار بالمهجر ظاهريا؛ لكن الألم والحزن يبقى مستقراً في قعر القلب.
أحداث الرواية وشخوصها/
تدور احداث الرواية على لسان بطلها (زيد) هو الابن الاكبر لعائلة مكونة من اربع ابناء لأب انتقلوا من قرية من قرى مدينة العمارة وجاؤوا الى بغداد العاصمة في عائلة تكسب قوتها بعيداً عن بطش الدولة وعصا اعوانها في احداث ما بين سبيعنيات وثمانينات القرن الماضي والحرب العراقية الإيرانية واحداث القرن الحالي، عاش البطل اجواء الحرب والقتل والدمار والفقر في صور نقلها الكاتب خلال تسلسل احداث فصول روايته فبرزت لنا شخصية (ام محمود) الجارة الطيبة وشخصية (فوزية) الأرملة لينقل لنا الاحداث في رحلته الى المهجر ووصولاً إلى امريكا والسكن في بناية تملكها السيدة (ماري) العراقية اليهودية التي ما زالت تحتفظ بذكرياتها بالعراق وحنينها له، مما زاد ارتباطها بـ (زيد) في علاقة فريدة من الحب غير واضحة الملامح وغامضة بعض الشيء برغم ارتباط زيد بـ (سارة) الفتاة السورية التي هاجرت من سوريا (أنطوان) اللبناني العازف الحزين بما يحمل من وجع لبلده، هؤلاء ربطت بينهم علاقة خاصة تمثل الشتات في الغربة حملوا في قلوبهم وجع ودمار بلدانهم، و(عصام) الامريكي وزوجته ( ليليان) مديره (جيرالد) وابنته وصديقه خوسيه وزوجته وروبرت المتشرد.
السرد والحبكة في الرواية/
ارتبطت الرواية بالحياة في انماط سلوكية انسانية الحياة/ الموت، الارض/ السماء، الرجل / المرأة، الصحة / المرض، ظهرت في الرواية مجموعات من الثنائيات التي تبدو متعارضة ولكنها متكاملة التي اعتمد عليها اساس النص فكان الفكر الانساني الذي اظهر الشخوص في التفاعل بين المتعارضات وايجاد التصالح بينهما، الرواية اجتماعية تناولت ما شهده المجتمع العراقي وتصادمها في مسار فني واضح متسق عبر الكاتب عن ثمرات التصارع والتطاحن بين الاحداث، ومما لا شك فيه انه لا يوجد عنصر من عناصر العمل الروائي ليس له وظيفة بنائية ودلالية، حتى لو يكون هامشاً أو ثانوياً وهذا ما برزه الكاتب بشخصية (روبرت المتشرد) في توضيح معالم الحياة بأمريكا، فكل اسم دلالة وهدف بما يحمل من ذكريات من الماضي الى الحاضر، يتناول كل مشهد من المشاهد على موضوع معين داخل الفصل الواحد بحيث يقرأ كل مشهد وحده، لقد اثر البحث في التركيبة الاجتماعية لشخوص الرواية وتأثرها بالنزعة الواقعية في مختلف اتجاهاتها، حيث حدد سماتها الفكرية الموضوعية من خلال تصوير الحياة في الخارج بواقعها المعاصر من اوضاع سياسية واقتصادية لعرض عالمها المتشابك مقروناً بإيحاءات الماضي بروح الاشتياق والشعور بعمق الغربة وضح لنا سمة التجارب الانسانية برؤية جدلية، وخاصة علاقة زيد والسيدة ماري وعلاقتها مع انطوان عالم من الموازنة بين الحقيقة الفنية والحقيقة الموضوعية، عندما وازن مستوى حدة الصراع بين شعور البطل للانتماء للماضي وتردده في الرجوع للوطن، بعد كل سنوات الغربة وارتباطه مع ماري بقيم الارض، والعائلة، والارتباط بالزمن والذي دفع بماري ان تحمل عل عاتق زيد وصية دفنها في العراق بعد وفاتها.
اسلوب الكاتب/
اعتمد اسلوب السرد على لسان البطل زيد في احداث غزيرة متشعبة في وصف ملامح شخصيات روايته، حيث وفق الى حد بعيد في رسم دوافع هذه الشخصيات وخلجاتها، إذ جسد حالات الذهول والشرود والصمت والتأمل والحزن الشديد في تذكر الوطن وما يحلمه هذا الشعور من وجع الذكريات والارتباط الروحي للجذور الممتدة عبر السنين، فارتبط بالكثير من العلاقات التي تشابكت في حوارات تداخلت في خضم الاحداث في بناء لغوي ديالوجي جمالي بسيط ومؤثر في اسلوب مرن غير مكلف في دلالاته الملموسة المنسجمة في تسلسل منطقي ومتوالٍ للأحداث الى نهاية الرواية.
عرض الكاتب شخصياته وترتيب الزمن وتحديد رؤية كل شخصية وطباعها السيكلوجية واسترجاع الزمن وربط ذكرياته بالحاضر، نجح في وصف الأمكنة والشخصيات في تناغم مع مضمون الرواية
رواية (ثمرة الإله) حملت لنا صورة الشتات في الغربة بكل معانيها وبحثت في دواخلنا كإنسانيين مهما ابتعدنا عن اوطاننا يظل الانتماء له يجري مع الروح والارتباط بالأرض والانسان، فكلنا ثمرة الإله التي يطرحها على الأرض لنعيش ونتعايش.
....................
صدرت عن دار قناديل للنشر والتوزيع الطبعة الاولى/ 2020 عدد
الصفحات /215 صفحة


