قالت 11
د. أسامه مصاروه
وهبني الله جسمًا رياضيًا ممشوقًا ووجهًا جميلًا، وأينما أتواجدُ لحقت بي عيونٌ وألسنةٌ، طبعًا لا أوليها أيّ اعتبار وحتى لا تثير بي أيّ شعورٍ بالغرور، بل بالعكس كنت أرثو لبؤس الذكر العربيِّ المريضِ وأنت تعرفُ قصدي.
لا أدري يا حبيبي لماذا يشعر الذكر العربيُّ بالحرمان حتى وإن كان متزوّجًا وله ربّما أكثر من زوجةٍ واحدةٍ، لعلّهُ يريد بذلك التخلّص من إحساسهِ بالحرمان المزمنِ، والأمر لا يتعلّق بالوضع الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو الثقافيّ.
ليتَ شعري ما الذي يُسعدُ الذكر العربيّ؟ قد لا أكون بعيدًا عن الحقيقة إن قلتُ إنّ رغباته الجسديّة هي الأكثر سيطرة على عقله وقلبه، والأكثر استحواذًا على وقتهِ.
أتحداهم أن ينكروا أنَّهم يقضون ساعاتٍ طويلةً كلّ يوم في الحديثِ عن مغامراتهم الذكوريّة وبطولاتهم وانتصاراتهم في إيقاع هذه أو تلك من النساء في شباكهم الشبقيّة.
لو جمعنا هذه الساعات الضائعة في مثل هذه الأحاديث، لكانت تساوي ملايين ربما بلايين الساعات التي تذهب هدرًا وسدى. تصوّرا، تخيّلوا لو تمَ استغلالُها واستثمارُها في عمليّات الإنتاج الوطني. ترى ماذا ستكون النتيجة؟ بأبسط الكلمات توفير ملايين بل بلايين الدولارات من استهلاكنا للمنتجات الغير عربيّة. كما هو معروف وثابت وهو وضع لا ينتطح عنزان، الدول العربيّة دول استهلاكيّة. أليس مخجِلًا أن يشتريَ العربيُّ التقليديُّ عقاله، شماغهُ، حطّتّهُ، كوفيّتَهُ مهما كانت التسمية من الغرب، إنجلترا تحديدًا. أليسَ مُهينا للعربيّ المسلمِ أنْ يشتريَ نسخة من القرآن الكريم طُبِعتْ في دولٍ غير إسلاميّة؟
لقد استثمرت هذه الدول بالإنسان، فبماذا يا ليت شِعري تستثمر الدول العربيّةُ؟
ليخفِّف الله من قهري وألمي وحزني وإحباطي بل وذلّي وهبني ما هو أجمل وأروع وأثمن من كلّ هذه الأمور – حبّكَ يا حبيبي. ليتكَ تعلمُ كم أحِبُّكككككككككَ.
قال:
قال المتنبّي :
"مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهوانُ عليْهِ
ما لجرْحٍ بِميِّتٍ إيلامُ"
يا حبيبتي أنا أشعرُ بنار كلِّ حرفٍ كتبتِهِ، وأشعرُ أيضًا أنَّني أحملُ على كاهلي جزءًا لا بأس بهِ من مآسي أمّتي. دعيني أُخبرْكِ وربَّما أنتِ أيضًا تشعرينَ بأنَ همومَنا القوميّةَ والوطنيّةَ قدْ بدأت تأخذُ حيّزًا يزدادُ اتساعًا ما بين رسالةٍ وأخرى. طبعًا هذا أمرٌ طبيعيٌّ ولا اعتراضَ لي على ذلكك، فأنا أتفهمُهُ. إنّ بلادَنا العربيَّةَ - رُغمَ أنّي أكرهُ استعمالَ لفظَ "بلادَنا"، فأنتِ تعرفين ما يعرفُهُ كلُّ عربيٍّ أصيلٍ شريفٍ حرٍّ وكريمٍ، كانتْ لنا دولةٌ واحدةٌ إلى أنْ جاء الاستعمارُ وأقامَ دويلاتٍ ظلّت مستعمرة إلى أنِ انْتهى الاستعمارُ الخارجيِّ، ليحلَّ محلّهُ استعمارٌ عربيٌّ يقوم بدور الوكيلِ الخادمِ للاستعمار الخارجيّ، هذا ما كانَ وما يكونُ. أجلْ أقاموا دويلاتٍ لأقزامٍ سمُّوها بأسماءٍ ما أنزلَ الله بها من سُلطان.
أنا يا حبيبتي أعرفُ تمامَ المعرفةِ، أنّنا وأقولها بكلِّ أسفٍ وحرقةٍ وحسرةٍ ما زلنا قبليّينَ كحالنا في الجاهليّةِ. هذه هي الحقيقةُ بأبسط صورِها وبلا مكياجٍ أو أصباغٍ أو رتوشٍ أيّا كانت.
أنظري ما يحدث في بلادٍ تتقاتلُ فيها القبائلُ أو الطوائفُ وحتى الأحزابُ فيما بينها. ألا يفهمون أنّهم يدمّرونَ بلادهم ولمصلحة منْ؟ لمصلحةِ أعدائِهم. ألا يدركون أنّهم يحاربون بأنفسِهم حروبهم الصليبيّة وهم جالسون يستمتعون بشربِ الشايِ أو العصيرِ أو النبيذِ أو ما هو أككثر من ذلك. ربّما تسخرون مني إذ ذكرتُ الحروبَ الصليبيّةَ، اسخروا كما تشاؤون، لم تنتهِ بعدُ ولن تنتهيَ الحروبُ الصليبيةُ. وصل الغربُ إلى حقيقةِ واضحة – لم يعد العصر الحاضر يسمحُ بحروبٍ صليبيّةٍ على غرار الحروب الصليبيّة التي قامت وامتدّت من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلثِ الأخير من القرنِ الثالثِ عشر (1096 – 1291)، هم لم يتخلوْا عنها بل قاموا بتغيير التكتيك – ليتقاتلوا بالنيابةِ عنّا، ليذبحوا بعضَهم بعضًا. كيف نفعل ذلك قالوا، الأمر بسيطٌ جدا لنتّبعَ المبدأَ القائلَ "فرّقْ تَسُدْ". وهكذا فرَّقونا. لم نعد عربًا، أصبحنا مصريًا سعوديًا، قطريًا ألخ ألخ ألخ. ويا ويله يا سواد ليله من يقترب من حدود هذا البلد أو ذاك. والأكثرُ إهانةً للعربيِّ الشريفِ النظيفِ الحرِّ أنّهُ يقاتلُ أخاهُ العربيَّ خدمةً لأعداء كليْهما، بل ويصالحُهم ويتعاونُ معهم ضدَّ بعضهما بعضًا.
إنَّ عروبتي يا حبيبتي تنزفُ داخلي، وكلّي يقطرُ ذلًا وهوانا. لا لا لا، لا ينطبق عليّ قول المتننبي "مَنْ يهُنْ يسهلُ الهوانُ عليهِ..." لن أهونَ ولن أخونَ ولو وضعوا البيتَ الأبيضَ في يميني والكنيست في شِمالي. أحمدُ الله أنْ منحني اللهُ هواكِ يا حبيبتي ليخفّفَ عني نصيبي من مآسي العروبة ورزاياها ومصائبها والأكثرُ إيلامًا ذلُّها وهوانُها. أُحبُّكككككككككِ

