نصوص
مصطفى عوض
حارس عقار
كان أبي لا يزال كبيراً جداً في عيني، بينما الكف الكبيرة تهوي على خده، فتطير عمامته لتسقط بين قدمي. طأطأ رأسه، و انحنى يلتقطها..نفض عنها التراب، ثم استوى واقفاً، بينما من ناداه منذ لحظاتٍ -متضرعاً- بالباشا، يسرع الخطى نحو باب البناية الشاهقة، تاركاً شتائمه محلقةً فوق رأسي كطيورٍ جارحة. انتابني غضبٌ لم تمحه دمعته الكبيرة التي سارع بمسحها بطرف جلبابه المتسخ، بينما يرمقني بنظرةٍ جانبيةٍ خاطفة. حين أفقت من صدمتي، كان أبي قد سقط تماماً من نظري! لم استطع أبداً أن أفهم سر استكانته إلا حين انحنيت لألتقط عمامتي بعد زمنٍ طويل، و لمحت حذاء ابني الذي أحدث فيه الزمن و إبرة الإسكافي شقوقاً عصيةً على الاصلاح، فاستويت واقفاً بينما أتحاشى النظر إلى وجهه، و عاد أبي كبيراً مثلما كان.
رجل مهم
أنا رجلٌ عادي. زوجتي تسميني (المنيل)، الاسم الحركي لي في دار أصهاري هو: (المدهول على عينه).. أصحاب العمل يعتبرونني المعادل الموضوعي للحمار، بينما رئيسي لا يرى فارقاً بيني وبين ثور الساقية، ربما لسمرتي الداكنة دخلٌ في مناداة زوجة رئيسي لي ب-(هباب البرك) وهي تعطيني ورقة الطلبات، ينهرني مهندس الموقع دائماً بلا سبب، رغم أني أحمل ضعف حمولة زملائي من الرمل والأسمنت و قوالب الطوب، أرجع متأخراً إلى بيتي كأي رجلٍ عادي، اخلع جلبابي وأستلقي- مهدوداً- على أقرب مقعد، وكرجلٍ عاديٍ تأخذني سنةٌ من نومٍ وأنا جالس، أفيق على قبلة طفلي، أحمله بين يدي..يتملص مني..يجري نحو حذائي، ينتعله، أتأمله ضاحكاً بينما يحاول تقليدي، ساعتها، أشعر كم أنا رجلٌ مهم.
قصة حياة
هي المرة الأولى التي ينزل فيها درجات السلم دون أن ينهره صاحب البيت مطالباً بالإيجار المتراكم، مر أمام البقال دون أن يلوح له مهدداً بدفتر ( الشكك)، لم يسل لعابه أمام دكان الجزار كالعادة، صمت زبائن المقهى حين مر و لم يبادروه-كعادتهم- بالاستهزاء والهمز والنكات السخيفة، فرح حين لم يطارده كلب الحارة الأجرب الذي يكرهه بلا سبب، لما انعطف تاركاً الحارة وراء ظهره؛ تمطى في نعشه، أخذ نفساً عميقاً، وضحك..ضحك كثيرًا...