عين الرقيب
قراءة وتحليل النصوص الفائزة بالمسابقة الدورية للقصة القصيرة جداً لشهر حزيران/ يونيو 2021، أو ما أسميه عين الرقيب.
ما يذكر هنا يمثل وجهة نظري النقدية للنصوص الفائزة والذي يتعلق حصراً بالنصوص لا الشخوص … لذا أقدم كامل احترامي وتقديري لأصحاب النصوص جميعا.
ساجد المسلماوي
===========================================
1- النص الفائز بالمركز الأول وهو للكاتبة سعاد غانم:
انعكاسات
صفَّقَ الحضورُ كثيراً في نهايةِ العرضِ الكوميدي، بدأتِ الدموعُ تتساقطُ، عندما أدارَ المخرجُ المرايا صوبَ الجمهورِ.
……………………………………………………………………………
نص ذو بنية احترافية بقدر دهشته كققج وخاتمته الصادمة، فالكثير من المواقف المضحكة التي تمر بنا في يومياتنا هي في الحقيقة مآسٍ فيما لو كنا نحن أصحابها، وتلك من ضمن سخريات القدر، أو ربما دروس من الخالق نأبى الاتعاظ منها.
أجادت الكاتبة صياغة جملها بالاعتماد على الأفعال الماضية (صفق، بدأت، أدار) مع ملاحظة التالي:
أولا: استخدام لفظة (الجمهور) بدلاً من الحضور في جملة الخاتمة لا يعفي النص من إشكالية التكرار بسبب تطابق المعنيين، وكان الأفضل قولها في جملة الخاتمة (عندما أدار المخرج المرايا صوبهم) تفادياً لهذا التكرار وتعزيزاً لركن الاختصار.
ثانيا: كان يجب وضع فاصلة منقوطة بعد (تتساقط) لأنهما جملتان احداهما كانت سبباً للأخرى... فالأصل (عندما أدارَ المخرجُ المرايا صوبَ الجمهورِ؛ بدأتِ الدموعُ تتساقطُ).
انعكاسات عنونة أعطت بعداً آخر للثيمة ووسعت من أفق التلقي، فصار النص مثلاً يضرب في كل مواقف الحياة وتعقيداتها.
مبارك للكاتبة سعاد غانم.
2- النص الفائز بالمركز الثاني وهو للكاتبة مرح صالح:
غَمائم
كلَّما لوَّحَتْ بثوبِها الناريّ، تتضاعفُ لهفَتهُ، نصبَ لها طَرْفَهُ؛ شَدَّتْ لِجامَهُ..
في نهايةِ المضمارِ فُقِدَتْ حَدوتَهُ وتُوِّجَتْ الجزرةُ.
……………………………………………………………………………
يميل هذا النص الى السوريالية أكثر من معالجته لقضية واقعية، وينتمي الى تلك النصوص التي تعتمد على مبدأ الفن للفن... الثيمة بنيت على أساس حكاية الحمار والجزرة التي تربط بعصا الى أمامه لكي يستمر في السير أملا في أن ينالها.
ثوبها الناري هو لون الجزرة البرتقالي الذي يغري الحمار فتتضاعف لهفته ليطالها، وبطلنا هنا زاد في سرعته بجنون حتى فقد حدواته وسقط، وما فاز غير الجزرة وواضعها... المراد هنا طبعا ليس الحمار انما سياسات الدول مع شعوبها، فهي تزرع الوعود في عقولها فتكون منقادة لها ولكن في نهاية الأمر تكون هذه الشعوب هي الخاسر الأكبر.
تركت الكاتبة المعنى عائماً في العنونة (غمائم) ومفردها (غمامة)... فلو كانت غَمامة بفتح الغين في الغيمة السوداء الممطرة، وهذا مالا يتوافق مع سعي الحمار في القصة، وكان الأولى قولها سحابة وهي التي تمر مرور الكرام ولا تحمل غيثا... أما إذا كانت غِمامة بكسر الغين فهي ما يوضع على عين الثور أو ما شابه ليمنع عنه الدوار اثناء تحريك الناعور وما الى ذلك، وهو ما يتفق مع سير الحمار في دائرة مفرغة بلا طائل.
ملاحظة أخيرة، الحدوة حذاء الخيل وعلى فرض ان للحمار حدوة فهن أربع وليست واحدة.
مبارك للكاتبة مرح صالح.
3- النص الفائز بالمركز الثالث وهو للكاتب مصطفى جميل شقرة:
مُقامرة
فغَرت فاههَا، ابتلَعتْ وجُوههم، بصَقتها في غرفةِ التّحميض، ناورهُم قِناعي، لمَّا سَاوموني على القمرة؛ أخفيتُ عدسةً في صورة جدارية.
……………………………………………………………………………
في حقيقة الأمر فأن هذا النص من النصوص التي تعمد أصحابها بعثرة الثيمة هنا وهناك بسبب اغراق المتن بالرمزية غير المجدية، والتي أدت الى كل هذا الشتات في الثيمة... فإلى حد قوله (ناورهم قناعي) كان المتن يسير بخطى ثابتة نحو نهاية مبهرة... ولكن الكاتب هنا سعى عن قصد لتلغيز هذه النهاية وبالتالي هذا الشتات والضياع في الثيمة... القمرة هي آلة التصوير أو الكاميرا، وهي التي التقطت صورة لوجوههم فكانوا تحت التحميض، والمراد هنا هي انكشاف حقيقة الأشخاص المخادعين أمام كاميرا الواقع رغم الأقنعة المزيفة التي يضعونها على وجوههم، ولدى مواجهتهم بحقيقة خداعهم يلجؤون الى الخداع مرة أخرى لتبرير أفعالهم... أما قضية إخفاء العدسة في صورة جدارية فالله أعلم بها والراسخون في العلم!
النهاية تحتمل كل تفسير وترفض كل تفسير، فالنص أخيرا فقد مفتاحه.
مبارك للكاتب مصطفى جميل شقرة.
4- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتب رياض أيوب علي:
تَهَنْدُس
كُلَّما باعَدْنا بينَ الإصبعين، استهدفوا رؤوسَنا وشَغَلوها بالمُرَبَّعاتْ... في مُثَلَّثِ حضارتنا، عَزَفَ أبو رغال بِمِخْلَبهِ على الوَتَر، كادَ يَتَهاوى، تَعاضَدَ القائِمان، تَطايَرَتْ أوراقُ اللّعب، أسلاكنا الشائكة، بَتَرَتْ أيدينا.
……………………………………………………………………………
أبو رغال هو أول خائن للعرب كما تصفه كتب التاريخ، وهو دليل أبرهة الحبشي في زحفه سيء الصيت لهدم الكعبة المشرفة، وقد جرت العرب على تسمية كل خائن بأبي رغال.
البعد بين الإصبعين كناية عن علامة النصر، والملاحظ ان الطرف الآخر هنا مجهول الهوية جاء بضمير الجمع الغائب، فمن هم الذين استهدفوا الرؤوس؟
القضية هنا تركت للمساحات التي تركها النص للمتلقي كي يحايث النص ويخرج بنصوص أخرى... مع كل هذا الابداع في المتن، ولكونه اعتمد على الاشكال الهندسية في بنية المتن تحت يافطة التهندس فالكاتب في مواجهة صريحة مع معنى المربعات والمثلث الحضاري؟
مع ان تفسيره لها ان كان بدون أدلة داخل المتن، وهذا يعني أنه تعمد التلغيز بلا مبرر.
وتشير النهاية الى أن المكائد التي نضعها لأنفسنا وتفرقنا هي التي أطاحت بنا وقصرت أيدينا عن تحقيق أهدافنا.
مبارك للكاتب رياض أيوب علي.
5- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتب عمر حبيب:
أواصر
أخرجوه كرهاً؛ امتثل لأمرهم لا يملك إلّا البكاء.. صباحاً وجدوه على باب المدينة، رغم كبر سنّه معلّقاً بحبله السّرّي يغرغر.
……………………………………………………………………………
بداية نقول أنه كان بالإمكان الاستغناء عن قوله (لا يملك إلّا البكاء) كونها وصفية زائدة ومن اختصاص المتلقي... أراد الكاتب أن الانسان لايمكنه العيش بعيدا عن أصوله وأهله وعشيره، وأن حدث وأهانوه وطردوه، وكما يقول بيت الشعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا علي كرام.
وينسحب هذا الأمر أيضاً على الجانب السياسي بالذات تعرض بعض الدول العربية للخيانة والنبذ من بقية الأشقاء... وهكذا.
النص يحمل دهشة في بناه لكنه لم يكن صادما كونه لصيقا بالحقيقة أو أن الكاتب قال الحقيقة كما هي.
مبارك للكاتب عمر حبيب.
6- النص الفائز بالمركز الرابع وهو للكاتبة خالدة أبو خليف:
نعيق
صقيع ينتاب روحها، فارغة من اللحظات الدافئة جدارن كيانها، طاف حولها مرغمة؛
على هلال المنجل سقط ماتبقى منها.
……………………………………………………………………………
النص ميال الى الشعرية، وفيما عدا جملة الخاتمة فان المتن وصفي يصور لنا مشاعر البطلة ومعاناتها بفقدانها للحنان والرعاية ودفء الروح... النعيق هنا إشارة الى الغراب وهو نذير شؤم عند العرب، والذي لا يأتي الا بالأخبار المفجعة، وهو الذي هنا طاف حول البطلة ليجتز المنجل أخر ما تبقى من روحها.
نلاحظ هنا مجهولية الحدث، اذ لا أثر لما حدث للبطلة ومن هو المحدث، مما أفقد النص حكائيته وأبعده دائرة القص الى دائرة الشعر.
مبارك للكاتبة خالدة أبو خليف.
7- النص الفائز بالمركز الخامس وهو للكاتب هيثم يوسف:
هذيان
الطنان الذي مارس هواية الذن اصدع رؤوسهم، طالبوا بقنصه، تسلل إلى مضاجعهم، امتزجت احلامهم، غرسوا خناجرهم في الجسد المسجى.
……………………………………………………………………………
الطنان طائر صغير معروف بسرعة رفيف جناحية، ونعتقد الكاتب قصر الزن وليس الذن رغم ان الزن أيضا لم ترد في قواميس اللغة وهي لفظة عامية تعني الإلحاح... أيضا وفي هذا النص الأبطال مجهولو الهوية، فلا إشارة الى من هم وما قضيتهم بالأصل!
والمعنى عائم في جملة النهاية بسبب الجسد المسجى الذي جاء مجهولاً، وربما أراد الكاتب الطعن في الميت... ويمكن التفسير هنا ان النميمة (الطنان) ربما تؤدي الى نهايات كارثية من خلال طعن أقرب المقربين لنا.
مبارك للكاتب هيثم يوسف
8- النص الفائز بالمركز الخامس وهو للكاتب أكثم صالح:
حطب
نَثَرَتْ طلاسِمَهَا فوقه؛ طالبَتْهُ برأسِهِ لإكمَالِ الطُّقُوس.. فتَحَ عينيهِ فرأى رأسَ دجاجةٍ مُعلَّقا بجدار.. وحارسُ المقبرة يُلوِّحُ بمِنجلِه!
……………………………………………………………………………
في الحقيقة ما قلناه في نص الصديق مصطفى جميل الشقرة نقوله هنا حول نص الصديق أكثم صالح، فجعل الرمزية أساساً في بناء النص لا بل هدفاً له هو في حقيقة الأمر تشتيت وتمزيق للثيمة خاصة بفقدان مفتاح النص، والقضية بكل صراحة ليست ابرازاً للعضلات بمثل ماهي مد جسور للتواصل ما بين الكاتب والمتلقي... عمل الساحرة هنا وما طلبته من البطل متروك شأنه للمتلقي الذي وجد نفسه وحيداً في منتصف الطريق... وتلك سبة بحق النص لا ميزة فيه!
مبارك للكاتب أكثم صالح.
9- النص الفائز بالمركز الخامس وهو للكاتب أسامة سلامة:
تفجُّر
دسَّتْ يدها في الجَيْبِ.. مزَّقتِ البطانةَ، تغلغلَتْ.. انتزعَتِ القلبَ؛ تحرَّرَ شريانُ الأمانِ.
……………………………………………………………………………
حقيقة نقول إن هذه الدورة هي دورة النصوص العائمة.
النصوص التي ترك أصحابها الحبل على الغارب للمتلقي لكي يعيث فيها فسادا... يا صديقي ما هكذا تؤكل الكتف وقد اعتدنا منك نصوصا إبداعية رصينة.
لماذا هذا الركون الى جعل النص مجرد احجية، وإن على المتلقي أن يفك رموزها ويخرج بالتأويل السحري... ليس هذا هو هدف كتابة النصوص الأدبية، لا دليل على شخصية البطلة بل هي مغيبة تماما، وما إذا كانت شخصا ام حالة أم ظرفا... وأي شيء مقترح هنا يصطدم بعدم وجود دليل عليه... تنتزع القلب ثم تحرر شريان الأمان... ولا حول ولا قوة الا بالله!
==========================================
أخيرا ابارك مرة أخرى لجميع الفائزين وأتمنى لهم دوام الابداع، واتقدم بوافر الشكر والتقدير للصديق المبدع الدكتور زهير سعود، وللصديقة المبدعة سارة اسكية لإدارتها المسابقة بكل حرفية، وللجنة الحكم الموقرة.
ساجد المسلماوي
بابل / 2021