-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

أ.د. لطفي مَنْصور... يكتب / الزَّيْفُ والتَّزْييف: مَساوِئُهُما وَعَواقِبُهُما

 أ.د. لطفي مَنْصور... يكتب /

الزَّيْفُ والتَّزْييف: مَساوِئُهُما وَعَواقِبُهُما





الزَّيْفُ اسمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الفِعْلِ زافَ يَزِيفُ. نَقولُ: زافَ البحْرُ إذا عَلَا مَوْجُهُ، وَارتَفَعَتْ رَغْوَتُهُ، وكذلِكَ زافَتِ المَعِدَةُ إذا اضْطَرَبَتْ لِتُخْرِجَ الْقَيْءَ. وهوَ أقْبَحُ صُوَرِ الْغِشِّ وأكْثَرُها تَأيرًا عَلَى النَّفسِ. وفي الحديثِ الشَّريفِ “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا” وَهُوَ يجمَعُ الزَّيْفَ أيْضًا، وهو الفَسادُ في الخُلُقِ والسُّلوكِ كَالشَّهاداتِ والانتِخاباتِ، والمُعامَلاتِ، وخاصَّةً النُّقودَ الوَرَقِيَّةَ والْوَرِقَ وهو الفِضَّةُ والذَّهَبُ اللَّذَانِ يَحْتاجانِ إلَى الْجِهْبِذِ، وهوَ ناقِدُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ لِيَعْرِفَ الْفَسادَ فيهِما.

يَقومُ الزَّيْفُ عَلَى أساسَيْنِ هما الْخِداعُ والغِشُّ.
الْخِداعُ مكانُهُ الْمَظْهَرُ الخارِجِيُّ، تراهُ الْعَيْنُ وَتَلْمَسُهُ اليَدُ. والٍغِشُّ مكانُهُ الْباطِنُ خَوْفَ أنْ يَكْتَشِفَهُ النّاس.
الزَّيْفُ يكونُ في أشياءَ كَثيرَةٍ لا حَصْرَ لَها، يقومُ بِهِ الأفرادُ والجماعاتُ كالشَّرِكاتِ الخاصَةِ التي لَيْسَ
عليها رَقيبٌ، وهناكَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ الرِّشا لِإجْراءِ مصالِحِهِ، وَتَسْويقِ بِضاعَتِهِ. والرَّشْوَةُ هيَ وَكْرُ الفَسادِ في الْمُجْتَمَعِ ، وَمِنْ أسبابِ تَدْميرِهِ وَتَخَلُّفِهِ، وَهِيَ رائِجَةٌ في مَلْءِ الوَظائِفِ. واستغلالُ الآيَةِ الكريمَةِ (اِدْفَعْ بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ) مَعْروفٌ عندَ النَّاسِ. الرَّشْوَةُ هي السُّوسُ الذي يَنْخُرُ في المجتَمَعِ، وهي تَقْضِي عَلَى الْحِكْمَةِ القائِلَةِ:
“الشَّخْصُ الْمُناسِبِ في المكانِ الْمُناسِبِ” التي فيها صَلاحُ الْمُجْتَمَعِ.
خَطَرَ بِبالِي أنْ أتَحَدَّثَ عن نَوْعَيْنِ من التَّزْييفِ والغِشِّ والْخِداعِ : الأوَّلُ تَزْييفُ الشَّهاداتِ العُلْيا، والثّاني التَّطْرِيَةُ عندَ النِّساءِ.
إنَّ الحُصُولَ عَلَى حَرْفِ الدّالِ (د) أو حَرفِ الميم (م) اللَّذَيٍنِ يَسْبِقانِ اسمَ الشَّخْصِ أصْبَحَ حُلُمًا عِنْدَ كَثيرٍ مِنَ المُتَعَلِّمِينَ وَأَشْباهِ المتّعَلِّمينَ. فَبِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَعَلِّمِينَ الحقيقيِّينَ لا توجَدُ مُشْكِلَةْ، يلتحقونَ بالجامعةِ ويَحْصُلونَ عَلَى اللّقَبِ الذي يُريدونَهُ بِجِدِّهم واجْتِهادِهِمْ، فيكتَسِبونَ العِلْمَ والدِّرايةَ والثَّقافَةَ.
الْمُشْكِلَةُ عِنٍدَ أشْباهِ المتعلِّمينَ والمُثَقَفينَ، فَهُمْ
يَعْلَمونَ تمامَ العِلْمِ أَنَّهم غَيْرُ قادِرينَ عَلَى تَحْصيلِ اللَّقَبِ بجُهودِهم الخاصَّةِ، والدّافِعِيَّةُ عِنْدَهُم قَوِيَّةٌ فَيَعْمَدونَ إلَى شِراءِ الشَّهاداتِ أو تزويرها.
وَأصبَحَتْ تِجارَةُ الشَّهاداتِ العُلْيا رائَجَةً، وامتَلَأتْ جُيوبُ التُّجارِِ بِالعُمْلَةِ الصَّعبَةِ، وأغرَقَتْ الشهاداتُ المُسْتَوْرَدَةُ المُؤَسَّساتِ التَّعليميَّةَ وعياداتِ المرضَى وحتَّى قاعاتِ المحاكم.
أَمّا تَزويرُ شهادةِ الدُّكْتوراة فَكُنْتُ شاهِدًا عَلَى واحِدَةٍ منها بِقِصَّةٍ غَريبة سَأسْرُدُها:
حَدَثَ ذَلِكَ قَبْلَ رُبْعِ قَرْنٍ مِنَ الزَّمانِ في إحْدَى الكُلِّيّاتِ التي كُنْتُ أُعَلِّمَ بِها، كُنْتُ مُقَرَّبًا منْ إدارة الكليَّةِ كمستشار غَيْرِ رَسميٍّ لمُديرِها، وكانَ يَعْمَلُ في الكلِّيَّةِ أحَدُ المعلِّمينَ في قِسمِ التربِيَةِ، فَأخَذَتْ تَصِلُ الإدارَة شَكاوَى مِنَ الطُّلّابِ والطَّالباتِ بِضَعْفِ هذا المُعَلَِم وضُحولَةِ عِلْمِهِ، فَأَوْكَلَ إلَيَّ مُديرُ الكليَّةِ أنْ أفحصَ الأمرَ، طلبتُ المعلِّمَ الذي يحمِلُ شَهادَة الدُّكْتوراة إلَى مُقابلَة عَمَلٍ، أخبرتُهُ بِشَكاوَى الطُّلّابِ، فَأخذَ يدحَضُ أقوالَهم، ثُمَّ سّألْتُهُ عن الجامعَةِ الَّتِي منحتْهُ الدًّكتوراة فأجابَ: جامعةُ حيفا.
مضَتْ عِدَّةُ أيّامٍ ثُمَّ طَلَبْتُ مَلَفَّهُ في الكلِّيَّةِ وَنَظَرْتُ فيهِ وَأخرجتُ تَصْويرًا عن شهادَةِ الدُّكتوراة، ويا لِهَوْلِ ما رَأيْتُ.
كانتِ النُّسْخَة مَعْزُوَّةً إلَى جامعةِ تلْ أبيب وليسَ إلَى حيفا، والشَّكْلُ لا يُشْبِهُ شَكْلَ شهادَةِ جامِعَةِ تل أبيب. والموَقَِعُ عَلَى الشَّهادة عميدُ الطَّلَبَةِ وليسَ رَئيسَ الجامِعَةِ.
وباختِصارٍ أقول طلبتُ المعلِّمَ ثانيةً، وكانَ قَدْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ أسبوعانِ لا غَيْرَ، ولو خطا المعلِّمُ خُطْوَةً واحدَةً في السَّنَةِ الثالتَةِ له القريبةِ لنالَ التّثْبيتَ.
اعترفَ المعلِّمُ بالتَّزويرِ، وقامَ بالعملِ امرأةٌ من تل أبيب مقابل مقابلَ خمسةِ آلافِ شيقل.
وعندما سألتُهُ هَلْ هُناكَ أناسٌ آخرونَ عندها؟
قالَ كثيرون حَسْبَ الدَّوْرِ.
عرضتُ عَلَى المُعَلِّمِ الاستقالةَ أو أُخبِرَ الإدارَةَ بالموضوع. فَآثَرَ الاستِقالَةَ ومَضَى لِسَبيلِهِ.
والتَّطْرِيَةُ عِنَدَ النِّساءِ هيَ التي قالَ فيها أبو الطَّيِّب:
حُسْنُ الْحَضارَةِ مَجْلُوبٌ بِتَطْرِيَةٍ
وَفي الْبَداوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلُوبِ
أَيْنَ الْمَعيزُ مِنَ الآرامِ نَاظِرَةً
وَغَيْرَ ناظِرَةٍ في الْحُسْنِ والطِّيبِ
أَفْدِي ظِباءَ فَلاةٍ ما عَرَفْنَ بِها
مضْغَ الْكَلامِ ولا صَبْغَ الْحَواجيبِ
فَإذا رَأيْتَ عُيونًا زَرْقاءَ وأَعْجَبَتْكَ فَتَحَقَّقْ أنَّها ليسَتْ مِنَ الْعَدَساتِ الْمُلَوَّنَة. وكذلكَ تَحَقَّقْ مِنْ لَوْنِ الشَّعْرِ. فهذا كُلُّهُ خداعٌ وتزْييفٌ، وليس الكُحْلُ كَالْكَحَلِ. والغانيَةُ هيَ الأَجْمَلُ.


عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية