عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ أَيْضاً
نص / أ . العلمي الدريوش - القنيطرة
إلى الصوت الرخيم الذي
منح بعض قصائدي نكهة أخرى،
إلى الشاعرة المبدعة لطيفة ناجي.
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ أَيْضاً
مَنْ لَا حَظَّ لَهُ..
اِمْرَأَةٌ جَامِحَةٌ فِي حَيِّنَا
عَلَى الْوَرَقِ الْمُخَادِعِ كَالشَّبَحْ
تَزَوَّجَتْ مَرَّتَيْنِ
فَتَعَثَّرَ فِي الُحُبِّ لَيْلُهَا
وِبالْعِشْقِ مَا صَدَحْ..
مَاتَ الأوَّلُ لَيْلةَ دُخْلَتِهَا
وَفِي يَدَيْهِ إكْلِيلُ وَرْدٍ
تَشَمَّمَ رَائِحَةَ عِطْرِهِ
لَكِنَّ الْعِطْرَ سَمَّمَهُ..
وَاخْتَفَى بَعْلُهَا الثّانِي
بِحُضْنِ امْرَأَةٍ
كَانَ وَالِدُهَا فِي الخُطُوبَةِ كَاتِبَ عَقْدٍ
اِخْتَلَى مَعَ الْعَرِيسِ وَالشُّهُودِ
ثُمَّ بَدَّلَهُ.
هِيَ الْآنَ فِي نُضُوبِ دَمْعِهَا
تَسْأَلُ مَا تَبَقَّى لِلرَّبِيعِ فِي صَدْرِهَا..
مَا ذَاقَتْ فِي خِدْرِهَا طَعْمَ شَهْدٍ
تَصْهَلُ يَائِسَةً فِي مُنْحَنَى عُمْرِهَا:
هَذَا الشَّهْدُ مَا أَبْعَدَهُ !
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ أَيْضاً
مَنْ لَا عَقْلَ لَهْ..
عَاشِقٌ رَقْمِيٌّ مِنْ جِيلِنَا
لَمْ يُرَافِقْهُ بِدَرْبِهِ سَانْشُو*
فِي غُرْبَةِ الفَايْسبُوكِ أَفْنَى عُمْرَهُ
يُحَارِبُ بِالْقَلْبِ بَيْنَ جَزْرٍ وَمَدٍّ
فَيَا وَيْلَاهُ
أَكَلَ السَّرابُ الْأَزْرَقُ نَعْلهُ
وَمَا زَالَ يَكْتُبُ رَسَائِلَ حُبٍّ دُونَ رَدٍّ
وَلَيْلَاهُ
خَلْفَ الطَّوَاحِينِ الْوَدِيعَةِ
تُسْكِرُ بِالرُّضَابِ غَيْرَهُ.
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ أَيْضاً
مَنْ لَا بَيْتَ لَهُ
طَائِرُ السّنُونُو
فِي مَوْسِمِ قَصْفٍ وَرعْدٍ
عَادَ مِنْ غُرْبَةٍ لَا تَنَامُ فِيهَا الْعُيُونُ
فِي سَمَاءِ نِينَوَى الْعَتِيقَةِ
بَقَايَا دُخَّانٍ
بِِرائِحَةٍ الْمَوْتٍ كَانَ يَلْقَاهُ
كَمْ بَكَتْ فَوْقَ الْخَرَابِ أُنْثَاهُ !
فَالطَّائِرَاتُ الذَّكِيَّةُ جِدّاً
أَخْطَأَتْ فِي انْتِقَاءِ صَفِّ الشُّهَدَاءِ
ثُمَّ أَصَابَتْ فِي وَاضِحَةِ النَّهَارِ عُشَّهُ..
فِي حَقْلٍ رَمَادِيِّ الْمِزَاجِ
صَاحَتْ قُبَّرَةٌ
كَانَتْ تَحْضُنُ مَرْعُوبَةً بَيْضَهَا:
بِأَيِّ ذَنْبٍ يَا إِلَهُ
خَرَّبُوا فِي هَذَا الصَّبَاحِ بَيْتَهُ؟!.
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ أَيْضاً
مَنْ لَا أَرْضَ لَهُ..
يَقُولُ أُسْتَاذُ التَّارِيخِ الْحَزِينِ فِي قِسْمِنَا
شَعْبٌ كَانَ هُنَاكَ
مِنَ النَّهرِ لِلْبَحْرِ
مُنْذُ أَلْفِ أَلْفِ عَامٍ وَعَهْدِ
تُحَاكِي الشُّعُوبُ ظِلَّهُ
كَانَ يَزرَعُ الْمَسَاجِدَ
وَالْكَنَائِسَ
مَعَ الْقَمْحِ وَالشّمْسِ فِي رِيشِ الحَمَامِ
وَلَمْ يَكُنْ يَقْتَاتُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْحَرْبِ وَالسَّلَامِ..
ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَهُ الْحَدِيدِ الْجَدِيدِ
بَاسِطاً جَنَاحَيْهِ لِكِلَابِ الصَّيْدِ..
بِلْفُورُ جَاءَ يَكْتُبُ فَوْقَ جُثَثِ الزَّيْتُونِ وَعْدَهُ ..
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ مَنْ لَا أَرْضَ لَهُ
يَصْرُخُ أُسْتَاذُنَا وَيَبَكي
يُقَبِّلُ الْخَرِيطَةَ الْقَدِيمَةَ
وَيَحْكِي
عَنِ بَابِنَا فِي القُدْسِ
يَضْغَطُ عَلَى الطَّبْشُورِ كَمَنْ يَضْغَطُ عَلَى الزِّنَادِ:
اِسْمَعُوا وَعُوا مَكْرَ التَّارِيخِ أَوْلَادِي
بَلَغَ الشَّرُّ فِي عَصْرِنَا مُنْتَهَاهُ
فَلَسْطِينُ أَرْضٌ لَمْ يُسْرَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ.
عَلَى هذِهِ الْأرْضِ أَيْضاً
مَنْ لَاحَظَّ لَهُ..
شَاعِرٌ يَكْتُبُ بِالنَّارِ فَوْقَ جُرْحِهِ
وَقَدْ مَلَّ الْجُرْحُ شِعْرَهُ.
* في روية " الدونكيخوطي دي لا مانشا " للأديب الإسباني "ميغيل دي ثيرفانتس" شخصيتان محوريتان هما : " ألونسو كيخانو" الفارس النبيل الذي فقد عقله واصبح يحلم باستعادة أمجاد الماضي وتحقيق انتصارات وهمية فيقرر خوض مغامراته مصطحبا معه " سانشو بانثا" الفلاح البسيط والسمين الذي يحمل درعه مقابل وعد بتعيينه حاكما لجزيرة ..
العلمي الدريوش
القنيطرة : 22 أكتوبر 2020