قصة قصيرة
أ. تميم محمود
هدية الاستقلال خيمة ملطخة بالذل
لم ولن اسامح إدارة و أساتذة المدرسة الابتدائية التي تعلمت بها في بلدتي الطيرة – المثلث ، عندما كنت في الصف الرابع حين دخل علينا مدير المدرسة ومعه نائبه و بصحبتهما ضيوفاً يتكلمون اللهجة العراقية، عرفنا بعد ذلك أنهم من اليهود الذين قدموا إلى العراق في سنوات الخمسينات، وسرعان ما التحقوا في وزارة المعارف، وأصبحوا معلمين ومسؤولين في القرى والمدن العربية.
أمرنا مدير المدرسة بالوقوف والجلوس خمس مرات احتراماً للقادمين، ثم خاطبنا أحد الضيوف وقال : يا شاطرين بعد يومين عيد الاستقلال وبهذه المناسبة قررت الحكومة تقديم هدية للطلاب .. فهمتم ؟!
أجبنا جميعاً بصوت طفولي ... نعم ! ثم أضاف الضيف :
- نعم الهدية اتشوفوها بكرا.. ثم خرج المدير مع ضيوفه من الصف.
انتظرنا الغد على أحر من الجمر.. كنا جميعنا في الصف ننتظر الهدية بشوق ولهفة، ونتساءل ، ما هي يا ترى ؟!
في اليوم التالي تم نصب خيمة كبيرة أقامتها الحكومة في ساحة المدرسة ووضع في داخلها كومة كبيرة من ثمار البرتقال وبضع أرغفة من الخبز وكمية قليلة من الشيكولاتة.
في فرصة التنفس أُبلغ الطلاب أن هدية الاستقلال في الخيمة والطالب الذي يسبق ويدخل الخيمة ينال حصته... انطلق مئات الطلاب المساكين على مرأى من معلميهم نحو الخيمة، السباق بين الطلاب كان محموماً، لأن كل طالب عرف في تلك اللحظة أن قوته وركضه وسرعة بديهته وانتهاز الفرصة وحدها ستسد جوعه .
عمّ الصراخ وعمت الفوضى وأثير الغبار نتيجة العراك، وبرز الطالب الأسرع والأقوى، وداس تحت الأرجل الطالب الضعيف والخجول، وكان الدخول إلى الخيمة والحصول على بضع حبات من البرتقال وقطعة شيكولاتة ورغيفاً من الخبز قمة الانتصار له.
أما الضيوف اليهود والمدير وطاقم المعلمين فقد كانت ضحكاتهم وابتسامتهم توزع بين بعضهم البعض ، لم نجد أي معلم يوقف هذه المهزلة .. المصيبة أن الضيوف اليهود أحضروا معهم طواقم التصوير لالتقاط صور الطلاب وهم يتعاركون ويتقاتلون ويضربون بعضهم البعض لعرض هذه الصور في الخارج كدعاية صهيونية تؤكد وحشية العرب.