أ.د. لطفي منصور .. يكتب :
الطّمَعُ وعواقِبُهُ
الطَّمَعُ صِفَةٌ رَذيلَةٌ في الإنسان، وهو غريزَةٌ فيهِ، تظهرُ عِنْدَ الطِّفْلِ عندَما يَكُونُ في مركزِ الدّائِرَةِ في جِيلِ الثّالِثَةِ مِنَ العُمْرِ، حينَ يتمسَّكُ بِكُلِّ شَيْءٍ ويُريدُ كُلَّ شَيْءٍ يراهُ أَوْ يَمَسُّهَ، ثمَّ تخِفُّ هَذِهِ الغريزَةُ في جِيلِ الخامسة، بفِعْلِ النُّضوجِ والتَّرْبِيَةِ. لكنَّها تظلُّ مصاحِبَةً لبعضِ البَشَرِ طيلةَ حياتِهم.
تعريفُ الطَّمَعِ: الطَّمَعُ كامِنٌ في النَّفسِ وهو عَدَمُ الاقتِناعِ أو الاكتفاءِ بما عِنْدَ الإنسان، فيرغبُ بزيادَةِ مالِهِ وثَرْوَتِهِ بِغَيْرِ الطُّرُقِ الشَّرعيَّةِ ولو كانَ مِنَ الأغنياءِ.
وفِي الحديثِ الشَّريفِ: "لو كانَ عِنْدَ ابنَ آدَمَ وادٍ من ذَهِبٍ لتمنَّى وادِيًا ثانِيًا، ولا يملأُ فَمَهُ إِلَّا التُّرابُ.
وفيهِ أيضًا: "الطَّمَعُ يُدْهِبُ الحِكْمَةَ مِنْ قُلوبِ العلماءِ".
وفيه: "إيّاكَ والطَّمَعَ فَإِنَّهُ الفَقْرُ الحاضِرُ".
وعَنْ عَلِيٍّ كَرّمَ اللَّهُ وجهَهَ: أَكْثَرُ مَصارِعِ العقولِ تَحْتَ بُروقِ الطَّمَعِ.
وَقَالَ أيْضًا: ما الخَمْرُ صِرْفًا بِأَذْهَبَ بِعُقولِ الرِّجالِ مِنَ الطَّمَعِ.
الطّمَعُ مقبولٌ في زيادَةِ العِلْمِ (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، وفِي العِباداتِ لزيادَةِ الْإيمانِ طَمَعًا بِرَحْمَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ الإمامُ محمّد بنُ إدْريسَ الشّافِعِيُّ (ت٢٠٤هج، وهي في ديوانِه ص: ٧٥، ونُسِبَتْ إلى غيره): من مجزوءِ الرَّجَزِ
حَسْبِي بِعِلْمي إِنْ نَفَعْ
ما الذُّلُّ إِلَّا في الطَّمَعْ
مَنْ راقَبَ اللَّهَ رَجَعْ
مِنْ سوءِ ما كانَ صَنَعْ
ما طارَ طَيْرٌ فَارْتَفَعْ
إلَّا كَمَا طارَ وقَعْ
وَقَالَ أيْضًا (في مقدِّمَةِ كتابِ "الأُمُّ في فقهِ الشافعِيّ، وأضيفت إلى ديوانِهِ في الصَّفحةِ نفسِها) من مجزوء الكامل
الْعَبْدُ حُرٌّ إِنْ قَنِعْ
وَالْحُرُّ عَبْدٌ إِنْ طَمِعْ
وَاقْنَعْ وَلا تَقْنَعْ فَلا
شَيْءٌ يَشينُ سِوَى الطَّمَعْ
(اقْنَعْ الأولى من قَنِعَ يَقْنَعُ أيْ رَضِيَ، تَقْنَعْ الثّانية من قَنَعَ يَقْنَعُ أيْ طَمِعَ وبَطِرَ. فافهم/ي ذلك)
وَمِمَّنِ اشْتُهِرَ بالطَّمَعِ أشْعَبُ، وبه ضُرِبَ المثَلُ: أطمَعُ مِنْ أشْعَبَ.
قِيلَ لَهُ: ما بَلَغَ مِنْ طَمَعِكَ؟ قَالَ: ما رَأَيْتُ عَروسًا تُزَفُّ إِلَّا قُلْتُ إنَّها لي، ولا رَأَيْتُ جنازَةً إِلَّا حَسِبْتُ أنَّ صاحِبَها أَوْصَى لي بِشَيْءٍ، ولا رَأَيْتُ اثنَيْنِ يَتَناجَيانِ إِلَّا خُيِّلَ إلَيَّ أنَّهُما يَأْمُرانِ لِي بِمَعْروفٍ.
وفدْ طَافَ الصِّبْيانُ حَوْلِي يَوْمًا يَتَوَلَّعُونَ بي، فقُلْتُ لَهُمْ لِأُبْعِدَهُم عَنِّي: في دارِ فُلانٍ لَوْزينَجٌ يُفَرَّقُ (نوعٌ مِنَ الْحَلْوَى يُصْنَعُ مِنَ اللَّوْزِ والسُّكَّرِ. فارسيٌّ مُعَرَّبٌ، ومثلُهُ الفالوذَج وهو شِبْهُ الفطائِرِ)
فَلَمَّا ذهبوا عَنِّي ظَنَنْتُ أنِّي صادِقٌ فَتَبِعْتُهُم.
———
زيادةٌ وتفصيلٌ تجدُهُما في كتاب"سُرورُ الصِّبا والشَّمول" لابنِ الطَّويل الدِّمَشْقي بتحقيقنا ودراستنا وضبْطِنا ص: ٣١٦.