قراءة في كتاب لا مساس للحزنِ (” لِماذا و كيف ؟ !)
للأديب سـا مـر المعاني و الشاعرة مـنـا ل دراغمة
بدايةً هذا العنوان الذي يرُدنا سريعا إلى إيحاءات و دلالات قوية وعميقة في الكلمتين ” لا مساسٍ ” التي وردت بالقرآن الكريم ، ” حيث ” لا ” حرف النهىّ يستوجب الانتباه والحذر بل والحظر من ” مس ” شعورٍ إنساني خاصٍ ، خصوصيته انه لا يتشابه في كثيراً من الأحيان فى أسبابه ومبرراته المباشرة للتباين و الاختلاف بوجه عام ؛ بل و احيانا كثيرة لقدسيتهُ لدى بعضاً مِن البشر ؛ رغم مُطلق المشاعر الإنسانية المعروفة عند البشر ؛ فكان هذا الاختيار المُوفق في العنوان مُتسقا مع غُلا ف الكتاب للفنانة وفاء ابو عفيفة برماديتهِ المُتدرجة و السواد الذى يحتضن التكوينٍ العمودي الذى يتوسط اللوحة ؛ كأن علينا أن نّلفَ ونطوفَ حولهٌ لكن دون ادنى ” مساسٍ ” بهذا الّمُنتصب وسط الغلاف الذى يحمل من الدلالات علينا أن نكتشفُ ما نكتشفُ منها إذا ما بدأنا طوافنا !
وسط تنسيقٍ راقٍ للفنانة / سوزان دهمان عبر فصول وصفحات الكتاب البالغة ( 116 ) صفحة .
ويأتي الإهداء لهما ؛ فيهما إشارة و توصيفٍ لهذا ” الحزنِ ” أو كيفية التعبير عنهُ بكلماتٍ لا تنقلُ الكلمات المشاعر فقط لكن تحملُ فى طياتِها العميق و الغير مسبوقٍ تعبيراً عن الأفكار .
إهداء كلاهما لمْ يَمسا في طوافَهما ” الحزن ” .. فقط عادا برائِحة عمّا يكون هذا الحُزنْ ؟.
يعقب ذلك طواف الأديب السوري المغترب نافذ السمان في قراءتهِ الشخصية الماتعة عن المُبدعين و أدواتهما و التي تم توظيفهما بحرفية مظهراً مواطنٍ القوة و الحرفية الراقية التي حولت النصوص و اخرجتها بعيدا عن أى توصيفٍ مُعد أو مسبوقٍ لِيتحقق ” لا مساس للحزن ” سواء من القارئ المُتذوق أو الناقد ؛ وقد اقتطع اديبنا فقرات تحملُ الكثيرُ مِن الدلالاتِ تأكيدا لفكرتهِ وإبرازاً لعناصر الجمال الواردةِ بمحتوى الكتابِ وفق عنونة فصولهِ الداخلية .
فصول الكتاب الأربع فصول هى :
نصوص نثرية … منال دراغمة
نصوص نثرية … سامر المعانى
ومضات … منال دراغمة
ومضات … سامر المعانى
فى النصوص النثرية لــ منال دراغمة ..
يدهشنا بدايةً و يتبين لنا قدر الحَذقَ فى تبويب وعرض نصوص الكتاب و كأنهُ إفلاتاً من توصيفات قد تُتطيحُ بمضمونهُ مُنذ البداية بالقارئ ؛ الكاتبة يستبينُ لنا من مضمون نصوصِها و و اختيارات موضوعاتِها كثافة اختزانها لِما جرى و يجري حولِها ليس فقط في وطنِها مِن حِراكٍ ثقافي مُتنوع يتأرجح بين المُتميز والرجاتِ بينهما و صولاً للمقبول أو المُعرض عنهُ و الذى حدد – كما ذكرنا – اين و إسم التصنيف لِما تكتب خشية الإنزلاق تِجاه ما يُقلل أو لا يًرضيها أو تقبلُ بهِ ؛ وحسناً فعلت .
الكاتبة تكتبُ – إذا جاز التعبير- على سجيتها يُحركُها فقط ” الفكرة ” أو ” الشعور ” تعبيراً عن الحدث الذى تتناولهُ ؛ لكنّ عُمق ادواتِها واهمها ” اللفظ ” اللغوي ودقة اختيارها لهُ ثم توظيِفَهُ و إسكانهِ فى جملتِها حيث؛ يَجبُ فتأتي الجملة او الفقرةِ مُحكمةِ في سياقِها و جَرسِها الإيقاعي فَيرتدُ المتلقي إلى خلفية مقعدهِ ؛ لتأمل في لحظةِ عمقٍ أو استمتاعا بِمشهدٍ بصرى مقروء غنيٌ بمفردات تكويِنهِ مُتمثلاً فى حركة ؛ وموسيقى إيقاعية و جملةٍ فكرية تُحركُ مَخزونهِ الفكري أو الوجداني الذى ربما كان يَفتقدهُ أو كان يسعى إليهِ .
قد لا يتسعُ المجالَ للحديثِ عن كل عنوانٍ على حدا لذا سأكتفى باختيار و عرض عشوائي لِما ذهبتُ إليهِ
• ما فرَّ..مني..!
“مرثيّةُ بنفسج..”
أربعون موتاً وانا أُطيّبُ حزني
بثلج الدعاء..
أربعون فردوسًا تَنَفسَت فوق روحي
تَخُط ياسمينها على كتفي الأيسر
تضع صورتك برشاقة..
يا أبي..
أربعون يومًا
وأنا عاجزة أمام أدوات النداء
أناديكَ سرًا
لعلّ صوتك يغلق فمَ عتابي المفجوع
تُشَيّعُني الذكرى “مرثيةَ بنفسج “
تتّشحُ بحزنها أحداقُ الحضور..
وفي اليوم الأول بعد الأربعين
سأخلعُ الأسود
استعداداً لارتداء نورك إلى الأبد..
يرعبني الخريف يا أبي…!
لوحي المسائي باهتٌ
يستصرخُ ابتسامتك…
أسمعُ وأردّدُ نحيبَ الحنين
لعينيكَ… ويديك..
ليت يدَ الموتِ استأذنتني
قبل فعلتها الأخيرة…!
يُفجعني البرقُ شتاءً يا أبي..
كيف يجتمعُ رحيلُك والهطولُ معاً..؟!
لِنتأمل هذه الجملة أليست مشهداً ينزاحُ بنا إلي خلفية المقعد للحظة تأمل
” وفي اليوم الأول بعد الأربعين
سأخلعُ الأسود
استعداداً لارتداء نورك إلى الأبد.. : !
الأديب و الناقد و الإعلامي / سامر المعاني … كونهِ اديباً وناقداً و إعلامياً تجاوزت تجاربهِ الإبداعية في هذه المجالات حدود محافظتهِ و بلده الأردن الشقيق ؛ و اصبح منارةً ثقافية أقلعت من سنواتٍ و حلقتْ في سماء الإبداع العربي تَنثرُ إضاءتِها على رِبوعِهِ ناقلاً عنهُ و إليهِ عِلماً وثقافةً هما بعضٌ من غوصٍ قراءتِهِ و تتبعهِ لجذور الإبداع عند مُبدعين عربٍ و غير عرب .
كاتبنا الموسوعي الراقي مشن اهم ما يُميز إبداعاتهِ هو إداوته واهمها اللغة ، هو لديهِ اهتمام بالغ باللغةِ العربية ذلك أن الحرفَ و مُفردة الجملة وهى ” الكلمة ” تشكلُ ابرز اعمدة الهيكل البنائي المعماري لجملتهِ التي تُميزُ إبداعهُ الأدبي ؛
في النص التالي ؛ سنجدُ بناءً معماري تدعمه و تقومُ عليهِ جداريات مُتعددة كلِ جدارٍ فيهِ تتصدر لوحةٍ بنور امية نقوشِها حروفَ كلماتٍ مُختارة و مرتبةٍ بعناية فنانٍ يُزاوج بمهارة وحرفية مُتقنةٍ بين الكلمةِ حرفاً ولفظاً إيقاعياً يؤكد و يدعم قوة التعبير عن الفكرة أو الشعور لدى المتلقي ؛ وهذا يُحسبُ لأديبنا و قدرتهُ على التوظيف المهارى لأدواتهِ ؛ و سأختارُ بعد عرض النص فقراتٍ توقفت امامها طويلا :
” مرايا الحروف
سامر المعاني
” تبحثُ في وجهي عن طفولتِها
تمعنُ النّظرَ بحُرقةِ الملهوفِ
أسمعُ حشرجةَ رئتيْها المشتعلتينِ بسجائرِ العمرِ المهزومِ
تلملمُ عصارةَ دموعِها وترحلُ في خشوعٍ
أتلعثمُ خلفَ زوايا الصّمتِ
أرتّبُ الحروفَ في شفتيّ ثم تزولُ
فالعطرُ المسكونُ بشفتيّ
قطّعَ أوصالَ نبضِهِ أيلولُ
**
وقد أوفيتُ بعمري لنظرةٍ من حنينٍ
أرهقتُ مجدَ قممي وشاختِ السّنين
أبحثُ عن قارئـةٍ لــــــجــفافِ نبضي
ما أصعــبَ أنْ يُــهــمَلَ الـــــــنّـبــضُ
حائــرًا بـــيـــــــــنَ الشــّــكِ والـــيـقــيــــنِ
**
وعلى لهفةِ الانعتاقِ
كان الصراخُ بحجمِ آهاتِ الوحدةِ المستترةِ في سراديبِ الخوفِ من مجهولٍ افتراضيٍّ ملامحُهُ بيضاءُ في شفتيهِ يكمنُ السُّمُّ
وشكلُ امرأةٍ تقفُ على بوابةِ العبورِ تتظاهرُ في الخشوعِ تدوسُ على أصابعِ مَن تشبّثَ بالخروج .
**
أيُّ مِدادٍ للحزنِ يعيدني إليكِ كلما تعاهدتُ مع نفسي للحياةِ …
أدركتُ في كلِّ مرّةٍ رغمَ قوافلِ الأيامِ المسافرةِ
أنّ كلَّ فجرٍ يولدُ بعينيه ألفُ دمعةٍ تحنُّ إليكِ ..
*
ذاتَ غروبٍ جاحدٍ؛
كانت الريحُ تهبُّ كالإعصارِ
أهفو في كلِّ الاتّجاهات ,
يتراءى لقلبيَ الواجفِ أنَّ خفقةَ الحياةِ تتوارى ,
فيغدو القمرُ ماثلًا بك أمامي ذاتَ حنين.
فأجثو أمامَهُ وتزهو يقظتي بعدما بكِ التأمت ,
وتنسابُ في عروقي حلمًا للقاءٍ جديدٍ . “
هذه فقراتى المختارة :
• وقد أوفيتُ بعمري لنظرةٍ من حنينٍ
أرهقتُ مجدَ قممي وشاختِ السّنين
أبحثُ عن قارئـةٍ لــــــجــفافِ نبضي
ما أصعــبَ أنْ يُــهــمَلَ الـــــــنّـبــضُ
حائــرًا بـــيـــــــــنَ الشــّــكِ والـــيـقــيــــنِ
• في ملامحِ حرفِهِ رعشةٌ و ذهولٌ
كأنّ في صدرِه أنينَ طفلٍ
وفي وجنتيْهِ تتصافحُ الفصولُ
متى يشاءُ ينجبُ ألفَ قصيدةٍ
ولسانُ بوْحِهِ مرتجِفٌ وخجولٌ
*
• عليكَ أنْ تواجهَهُ بضراوةٍ …فإنْ صُلبتْ أحلامُكَ و أنتَ تمضي
ستبقيكَ رسائلُ الخلودِ عُنوانًا في فهرسةِ الحياةِ و إنْ أجهدَكَ الموتُ على يقينِكَ فمتْ مسرعًا ولا تقرأْ حرفًا من خلفِكَ وانتصرْ لمشيئتِهِ
فلا تتركْ جسدَكَ المُسجّى مكشوفًا وتبحثُ عن جللٍ لحضورك
كي تبقى و أنتَ تعلو بموتِكَ سيّدًا
فكم من عظيمٍ رجموهُ بألسنتِهم وكانوا يتمنَّوْنَ تقبيلَ ثرى خطواتِه ..
اكتفى على مضضٍ بهذا النقل و نمضى معاً للومضات و الشذرات للكاتبين الرائعين / * سـا مـر ا لـمـعـا نـى و * مـنـا ل د ر ا غـمـة
وهى بهذا التوصيفُ المُختار فقراتٍ بصورةٍ ادبية تعبيراً عن أفكارٍ أو مشاعرٍ او تعليقاً علي أحداثٍ مِن مُدوناتٍ شخصية لهما وفرا لها العمومية من ناحية او كبطاقات تعريفٍ بِهما كما الهوامش أو الملاحظاتِ على صفحاتِ كتابٍ ؛ تميزت هذه الشذرات او الومضاتِ برقى الإسلوب و العرض الأدبي الناجح ؛ وايضاً عكست بعضاً من أملِهما وطموحاتهما و أراءهما فى مناحى عديدة كالأجواء الثقافية خاصة المُتعلقة بالأدبِ و الفنِ و الحياة .
الكتابُ بتصنيفهِ و محتواهُ فضلاً عن رقى الأفكار والمشاعر المختلفة و تعددها عِند الكاتبين ؛ يحملُ لكلِ مُتلقى ” صورة ” لصياغةٍ و ادبيات جديدة للغتنا العربية حين يعكفُ المبدع على توظيفها كأداة تقودُ لِلحداثة فى ادبنا العربى مِن خلال رؤى إبداعية و تُعبدُ لِمسارٍ نسعى إليهِ .
ســيــد جــمــعــه
ناقد تشكيلي و اديب