انفراجة
قصة قصيرة
بقلم: أ.سيد جعيتم
نال منه السيرُ فأقعده ، جلس على حافةِ رصيفِ الطريق، فشل في استجماعِ قوَاه وتفكيرَه، استسلم، ثقلَا جفناهُ وتهدلا علي عينِيه ، راح في غيبوبة.
- قلبه بينبض ، لسه فيه نفس ، يمكن غيبوبة نقص سكر ، هاتوا له حاجة مسكرة .
- وسّعوا خلّوه يتنفس.
أفاق على بللٍ يغمر وجهه، وطعمُ شرابٍ سكريٍ في فمِه، ببطءٍ فتح عينَيه ، المنظرُ أمامَه مشوّش، وجوهٌ تنظرُ له بإشفاق، فتاةٌ تقدمت منه و وضعت بعضَ العطرِ على أنفِه، أومأ برأسِه شاكرًا ، سحبوه من على حافةِ الرصيف ، ركنوا ظهرَه على الجدار، تنفسَ بعمق، يستعصي الهواءُ دخولَ صدرِه، حاول لملمةَ نفسِه من تيهِ الشتات، فشل، بكى ....
-اتفضل يا حاج.
صبيٌ صغيرٌ مد له يدَه بشقةِ خبزٍ بها بعضُ الطعام، لم يتعود أن يأخذَ شيئًا مجانا، تبسم في وجهِه، ظلت يدُه بجوارِه لم يمدْها له.
جاءه صوتُ أم الصبي :
كل يا حاج لقمة بسيطة تقيتك وتقدر تصلب طولك.
أصواتٌ مختلطةٌ حولَه ، سرعان ما اختفت بانصرافِ أصحابِها، عاد وحيدا.
استعصت اللقيماتُ التي راح يلوكُها على البلع ، شريطُ الأحداثِ مشتّتٌ يمرُ أمامَه ، صراعاتٌ ومناكفاتٌ وبعضُ السعادة ، نصحه أبوه:
- اتشعلق في الميري وترابه تضمن معاش في الكبر.
لم يُصغِ إليه...
عمل بالقطاعِ الخاص، ترقّى حتى أصبحَ مديرا .
تبسّم متذكرًا حفل نهايةِ الخدمة، خرج مصابًا بداء السكري وارتفاعِ ضغطِ الدمِ وبمكافأةٍ وضعها في البنكِ ليعيشَ من ريعِها.
- زوجتُكَ تحتاجُ للعنايةِ المركّزة.
لا مكانَ في مستشفياتِ الدولةِ فكلِ أسرّةِ الرعايةِ محجوزة، ذهب بها لمستشفىً خاص، وضع خمسةَ آلافِ جنيهٍ تأمينِ الدخول، تحتاجُ لأدويةٍ ومستلزماتٍ طبيةٍ ومقابلٍ إضافي نظيرَ زياراتِ الاستشاريين ، طال المرضُ وأزمنَ فتم نقلُ زوجتِه للمنزلِ لتخفيفَ وطأةِ مصاريفِ العلاج.
ابنتاه في مراحلِ التعليمِ المختلفة ، وكلتاهما لها متطلبات، خرج للبحثِ عن عمل، وقف سنُه حائلًا أمامه .
أوجعت مؤخرتَه تعاريجُ بلاطِ الرصيف ، تململ، سحب زفرةً حارةً من أعماقِه ، تناهى لسمعِه صوتُ إحدى ابنتيه:
بابا، ما تنساش تجيب لي جزمة جديدة، جزمتي خلاص مش نافعة.
نفدت النقود ، لا مصدرَ للرزق، البطونُ خاوية، لا يوجد في البيتِ شيئًا يؤكل ، الجوعُ أشدُ قسوةً من الموت ، هزه صريخُ وعويلُ ابنتيه تبكيان موت أمهِما، يا إلهي.... من أين لي بمصاريفِ الجنازةِ ومصاريفِ الدفن، تنبه أنه ليس بالبيت، استعاذ باللهِ من الشيطانِ الرجيم، ارتكن للجدارِ راح في ثباتٍ عميق.
تنبه لصوتٍ صادرٍ من حجره ، نظر.... بعض النقودِ ألقاها له المارّة، وقفت الكلماتُ في حلقِه، أزدادت النقود، صرخ في داخلِه لستُ متسولا ، أزدادت النقود، قبضها في يده ، أحصاها، قام مترنحًا، اشترى طعامًا وحذاءً لابنته، عاد في اليومِ التالي وجلس مكانه مادًا يده أمامه للمارة.
بقلم / سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية

