-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

ميري .. حمامة گراج الأمانة البيضاء التي بكيت عليها بمرارة الروائي - عامر حمزة


ميري .. حمامة گراج الأمانة البيضاء التي بكيت عليها بمرارة
الروائي - عامر حمزة 



كنت أتمنى لو أنني لم ألتق بهذه البنت يوم دخلت گراج الأمانة لأصور حلقة من حلقات برنامج ( حنين)، ولكن سوء حظي في التعرف على المصائب وفقد الناس لم يفارقني  أبدا 
. كان مقدرا لي أن أراها ،أتحدث إليها ، أمازحها ، أعجب بطيبتها وشبابها . 
ميري من مواليد  ١٩٧٤ في حي الوحدة بگراج الأمانة. بنت بيضاء متوسطة الطول ، ناعمة ورقيقة وهادئة ، تثق بالآخرين بقوة السلام في قلبها. 
في ذلك البيت العالي الواسع جاءت للحياة بصحبة أخوان ثلاثة وأخوات ثلاث ،وفي تلك الغرف المظللة بالدفء الأسري نشأت ميري تحدثت وضحكت أكلت ونامت وزعلت وحلمت ، عاشت طفولة من عاطفة أم وحنين أب حتى صارت بنت محبوبة لتمضي في نهر الشباب مضيئة مثل زهرة.
كنت قد أخترت بيت العم إيشو للحديث معه وتصوير عائلته وبيته. كان العم إيشو يرحمه الله عاطفيا الى حدود غير معقولة لايستطيع أبدا كبح جماح حزنه حتى على أبسط الأشياء وأصغرها ، حساس مرهق ذو قلب رقيق حتى إنه كان يذرف دموعه في الشارع أو المقهى ويجهش بالبكاء كطفل رغم بلوغه السبعين من العمر أو أكثر. كان إستنتاجي الوحيد حول حالته هذه هو أننا كأناس على هذه الأرض لانجني سوى الحزن ولربما أكون مخطئا.
رحب بي العم إيشو بمحبة غير مسبوقة وكأنني نزلت من السماء ، كنت أحدثه بآثورية مرتبكة وكان يتفاعل معي ببساطته وطيبته. أجريت معه حوارا مصورا في الشارع ودربته على قول عبارات عند دخوله البيت بعد أن يقترب من بيته ويدق الجرس فيما كنت أنا وميري المحبوبة داخل البيت ننتظر. دق العم إيشو الجرس فقلت لميري أن تسأله لم تأخر وهل جلب معه الخيار من السوق وان تجهز له الماء البارد بعد عودته من حر بغداد القاسي. 
كان مشهدا تمثيليا تصورته في خيالي وأردت أن يتحول الى حقيقة كي أكسر تقاليد فنية في محاولة للأتيان بالجديد والمثير لجمهور المشاهدين.
أدى العم آشور دوره بأمتياز وكان اداء ميري مقبولا بدرجة جيدة.
كان الوقت ظهرا وكانت الشمس قاسية في الشوارع ، كنّا في عز صيف عام ٢٠٠٥. 
أرتوينا بالماء البارد أكثر من مرة أنا والمصورين واختبئنا في الهول الداخلي في البيت محاولين الحصول على هواء بارد من المبردة. إرتحت قليلا الا إني لم أترك قلقي الكبير وتطلعي الى اتمام كل ماتتطلبه الحلقة التلفزيونية مني ، وقبل أن أشكرهم على تعاونهم معي وبدون أية مقدمات وكما هو طبعي في عملي التلفزيوني قلت : ميري غيري ملابسك أريد أن أجري لقاء معك عند عتبة بابكم ولا أقبل أي إعتذار ، إرتبكت البنت فلم يسبق لها من قبل أن تظهر على شاشات التلفزيون فشجعتها وقلت لها 
( يله شوفيني شرح تختارين هدوم). دخلت البنت وخرجت بعد دقائق وقالت لي ( ها أستاذ عامر شلوني) فأجبتها (لا أريد ملابس أكثر تفتحا ) ، دخلت مرة أخرى لترتدي ملابس أظهرتها في غاية البساطة والرقة فقلت لها ( أي هيچ من الأول تمام تعالي ويايه للباب).
كان فيء جدران بيوت گراج الأمانة العالية ساحرا للغاية بالنسبة الي ولعله السحر الآتي من تلك الارواح التي كانت هنا من سنين طويلة ولَم تزل عالقة بظلاله العذبة.
أجلستها عند عتبة بابها ومثل معلم وطالبة في الصف الأول الأبتدائي علمتها بمرونة عالية وصبر لاحدود له ما سوف أسالها عنه وكيف تجيبني والى أي الجهات تنظر مكررا لها أن لاتهتم لارتباكها أو تلعثمها فانا سأعالج الأمر بعد ذلك ، وبعد تجربتين فاشلتين إستطاعت حمامة گراج الأمانة البيضاء أن تقول كل شيء بعفوية وصدق وهدوء لانظير لهم ، الأمر الذي جعلني أطير من فرحي عاليا قرب سطوح البيوت وعند الأفياء وجوار الأبواب وقرب الشبابيك في الشوارع والمنعطفات. شكرتها كثيرا ووعدتها أن ترى نفسها قريبا على شاشة قناة عشتار.
بعدها أصرت العائلة أن نأكل وجبة الغداء فأكلنا البيتزا الحارة جميعا ونحن نتحدث ونضحك ونعيد ماجرى من طرائف حدثت في التصوير.
بعد مضي أشهر على عملي في گراج الامانة وفي بيت أبو آشور جائني خبر خطوبة ميري بعد إن شاهدها أحد جيرانها بالمهجر في التلفزيون. فرحت لهذا الخبر كثيرا وتوجهت الى الله بدعائي أن يسعد ميري في حياتها الجديدة.
مرت السنين السنة تلو الأخرى وتركت عملي في قناة عشتار وبت أعمل في قنوات أخرى. لم ألتقي بالعم إيشو ولا بميري ولا ببقية العائلة ولَم أصل يوما الى گراج الأمانة الا إني بقيت احتفظ بذكريات رائعة مع أهلها الذين أحببتهم وأحبوني.
بعد خمسة عشر سنة وفي صيف العام ٢٠١٧ بالتحديد وأنا أتصفح بالفيس بوك رأيت صورة لإحدى بنات گراج الأمانة على جوانبها علامة سوداء وكلام عن وفاة صاحبة الصورة فأردت أن أعرف من هي لانني متاكد من أنها إحدى بنات العم إيشو أبو آشور لكنها ليست ميري التي التقيت بها ، فحزنت كثيرا وفكرت أن أصل اليهم لاقدم التعازي من باب الأحترام لهذا البيت الذي قدم لي كل شيء بمحبة واضحة.
كانت إحدى البنات من معارفي في صفحتي الشخصية فأردت أن أتأكد أولا لأحضر العزاء بعد أن أعرف أين المكان والساعة بالضبط...؟
كتبت لمارلين  في الماسنجر معزيا لكني قلت لها من أخواتك هي لتصعقني بجوابها ( ميري ..عامر ..ميري). لم أستطع البكاء ببيتي حتى لايراني أحد ورحت أدور في شوارع حي الآثوريين والدموع تنزل حارة ورطبة على قميصي. لم أستطع النوم ليلتها وذهبت الى بيت أختها الكبيرة ، كانت قد رحلت قبل أن أصل بأشهر فجلست وقلت لمارلين وزوجها ( إعذروني أريد أن أبكي وبكيت بمرارة على حمامة گراج الأمانة البيضاء.
واليوم ..هذا اليوم وبعد لقائنا عام ٢٠٠٥ ووفاتها عام ٢٠١٢ ووصولي للعزاء عام ٢٠١٧.
اليوم تجددت ذكرى ميري حين ضاقت بي الدنيا لما زرت أختها وزوجها الطيب أبو كوركيس. 
الرحمة والنور على بنت گراچ الأمانة ميري إيشو ...آمين

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية