ساحة التحرير
بقلم / الاستاذ نبأ كريم الغزالي
هناك في عمق التحرير نرى عيونًا تحلم وأيادي تُرفع ودعاء يعقد.
في أحد المنعطفات هنالك عائلة جمعها حب العراق
عائلة لا تحمل نفس الدم بل تحمل العرق الموحد.
إنَّهم أبناء العراق
إِتَخَذُوا مِنْ تِلك السَاحةِ مَسكن يَجْمَعَهم واَرواحهم المتآلفة.
كلما تَتَقدَّم الخطوات بإتجاه ساحة التحريرِ تَزدَاد نَبَضَاتُ القلبِ لِتُعلِن عَنْ بَعثرةٍ تَحمِلَها، وتأتِي رياح الحُبٍ الَّتي قَد حَيَت مِنْ جَدِيد بعدما حَاوَلُوا أَنْ يَخْمِدوه بنيران حقدهم وفايروس الطائفية الذي عمموه بيننا، تلك الرِيَاح الَّتي تربط القلوب المُنْعَزِلة بَعدَ حِرمَان وضَيَاع.
بعد منتصف الليل على تلك الأرصفة التي تحمل الكثير من القصص هناك أجساد ملائكية قد غلبها النوم من شدة الإعياء ملتحفين بالأَعلام متوسدين أيادي بعض يوقضهم العزف الصباحي من مسيل الدموع وصرخات اخوتهم واختناقهم
يفطرون بما لذ وطاب من أَنواع المشروبات الغازية وبعض من الخميرة وَ ملاعِقَهم هِي أَيادي المُسعِفِين الذينَ يُسرِعُونَ باِتِجَاهِهِم كأم تُحَاوِلُ إطعامَ طفلِهَا ذو الأَربعة أَشهر.
حياةٌ اِتَخَذَت مِنْ البساطةِ صفةٌ لَهَا ومِنْ الحُبِ والتَعَاونِ رَمز للمثاليةِ والأُلفةِ إِنَّهَا حياةُ التَحرِيرِ والشعار الموحدِ هناك (الموت أو الإنتصار).
هناك في ذلك الركنِ على اليمينِ مجموعة من الطيورِ الشابةِ تُحَاوِل ُجَمعَ النفاياتِ، وعلى اليَسَار خَيمة يتصاعد مِنهَا البخار والرائحة الزكية في داخلِها ذوات القلب الرحيم صاحباتَ العطاءِ رغم همومَهًُنَّ ودِمُوعَهنَّ الَّتِي لَمْ تَجف وتجاعيد الزمن الَّتِي تُزَين وجوهَهُنَّ، إِنَهُنَّ حزمة من الأُمهاتِ يُحَضِّرنَّ الطَعَامَ وَيَتَسَابقنَ على تقديمِ الخدمةِ رغمَ كبرَ سِنهِن وتَعبهنْ .
وإلى جانب تلك الخيمة هنالك مكتبة التحرير يَجتَمِعُ حَولَها مَنْ يَحملِون شَغَف القراءة تَضُم مجموعةً من كتبٍ متنوعةٍ ترضي جميع الأذواق.
وبين الحين والآخر يَهُبُّ نسيمُ باردٌ عطر كَإِنَّه يَحمِلُ رُوحَ شَهِيدْ، يُداعب الروح وَ يُلَطِفُ الأَجواء كإنَهم أَتوا ليُزِيحوا الغبار وكإن روحهم تهوى التواجد وتريد أن تعرف ما هي الأخبار أَمَا حان الإحتفال بالوطن!
في المنتصف أَبطال الشعاراتِ الجميلةِ والقصائدِ المهذبةِ والصوت الناطق بالحق وحب الوطن واللافتات التي تحمل ثلاث حروف فقط من الثمانية والعشرين حرفًا (وَطَن)
إِنَّهم لا يَحتَاجُون المزيدَ مِنْ الحروفِ فَعِيُونِهمْ تُسَطِرُ الكلماتَ ودِمُوعِهم تَنْطِق
و وِحدَتِهِم قد إختَصرت الكثير من الكلامِ.
ولا نَنسى مُعَسكَر العلمُ العراقي، جبل أحد ذلك المطعم الملون بصور الشهداء المكان الذي إِتَخَذه الشباب موطن مؤقت لهم لحين اِستعادة وطنهم من أيادي المتسلطين المتسلحين بالجبن والسرقة الحالمين بالبقاء المستحيل.
ساحة التحرير خُلِقَت للتحرر من الظلم و للحرية.